رؤية مقترحة لتطوير مناهج التعليم الإسلامي في ظل تأثرها بفلسفة التعليم الغربي

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

کلية

المستخلص

المقدمة:
فرض الله تعالى على الناس التعليم والتعلم، وأمده بالحواس التي تمکنه من التعليم والتعلم، قال تعالى: {وَاللّهُ أَخْرَجَکُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِکُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَکُمُ الْسَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّکُمْ تَشْکُرُونَ .....} (النحل: 78)، وقال تعالى: {قُلْ هُوَ الَّذِي أَنشَأَکُمْ وَجَعَلَ لَکُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَّا تَشْکُرُونَ} (الملک:23) وقال تعالى {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنکُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ .....} (المجادلة: 11)
ويتوقف تماسک المجتمع وتآلفه وقدرته على مواجهة المخاطر والتحديات التي تواجهه، وقدرته على تحقيق التنـمية والتطور، على مدى انتماء أبنائه إليه؛ إذ يسهم ذلک الانتماء في الحفاظ على قوة المجتمع وتماسکه، بينما يؤثر ضعفه تأثيرا سلبياً في الواقع الاجتماعي والثقافي والاقتصادي والأمني للمجتمع داخلياً وخارجياً.
ولقد تعرضت المؤسسات التعليمية الإسلامية إبان دخول التعليم الغربي إلى البلاد العربية إلى أشکال من الغزو الثقافي بکافة أشکاله، کونها تمثل خط الدفاع الأساسي عن مقومات وجود الأمة، وقد جاء هذا البحث ليساهم في الکشف عن عمق وحجم التأثير الذي أدخله التعليم الغربي إلى هذه المؤسسات التعليمية القائمة على التعليم الإسلامي.
وتأتي التربية کأحد أهم الوسائل التي يمکن أن تقوم بمسؤولياتها في هذا الجانب الحيوي من خلال مؤسساتها التربوية التي يفترض فيها أن تتولى غرس القيم الأخلاقية الفاضلة في نفوس طلابها، مما يمکنهم مستقبلا من مواجهة هذه التحديات والتغلب عليها. فالمجتمع في أمَس الحاجة إلى التمسک بالقيم الأخلاقية الفاضلة، التي تساند البناء وتقويه وتحافظ عليه وتدعمه، فمن وجهة نظر البعض أن ثمة بعض السلبيات التي بدأت تطفو في مجال العمل والإنتاج، حيث سيطرت الأنانية والانتهازية على بعض العلاقات بين الناس وأصبحت المصالح الشخصية، والوصولية، والمحسوبية والاختلاسات، والسرقات وغيرها من القيم السلبية الهدامة، لها اليد الطولى في تصرفات بعض الأفراد، وسلوکهم، هذا بالإضافة إلى ما يتسم به هذا العصر من التقدم الهائل في الجوانب المادية والتي لم تستطع الجوانب الروحية والمعنوية ملاحقتها حيث ظهر الکثير من المشکلات التي تواجهها الأمة الإسلامية، سواء کانت سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية ترجع أسبابها إلى بُعد الإنسان المسلم عن التمسک بالقيم الأخلاقية وفقدانه للوعي الديني الذي يبنى الإنسان المسلم والمجتمع الصالح (علي، 2006، 4).
ولأن التعليم اليوم ومناهجه أصبح الرکيزة الأساسية للتقدم والسبيل الوحيد لمواجهة التحديات سواء کانت عالمية أم محلية ومن هذا المنطلق اهتمت کثير من الدول بتطوير نظامها التعليمي وتحديث مناهجها بما يتمشى مع متطلبات القرن الحادي والعشرين (أحمد، 2008، 194).
وتعد المناهج الدراسية من أهم الموضوعات التربية بل هي لبها وأساسها الذي ترتکز عليه، فهي النقطة الحيوية التي تصل المتعلم بالعالم الخارجي، وهي الوسيلة التي يصل بها المجتمع إلى ما يبغيه من أهداف وآمال.(الزبيدي، 2009، 28)
والمنهج التعليمي تربة حقلنا التعليمي، وهي تحتاج کل موسم إلى تقليب وإعداد وتهوية وتخطيط وتسميد لتتلاءم مع طقس متغير، وغرس مختلف أو ظروف تکنولوجية متجددة، وهکذا فالمنهج التعليمي في حاجة إلى تطوير وتعديل وتغيير وتحويل وتجويد وتجديد، في حاجة لأن يعاد فيه النظر وتراجع مکوناته لتتواءم مع زمنه وعصره وإنسانه، وظروف هذا الزمان وذلک العصر، وشروط ومواصفات هذا الإنسان، وفي ظل التغيير والتطور سنة الحياة وسنة الخالق في خلقه (الناقة، 2007، 15).
وقد أصبحت التربية الإسلامية أکثر أهمية، وخطورة في العصر الحالي من أي وقت مضى؛ نظراً لما يمر به هذا العصر من أحداث، وتطورات أثرت على المجتمعات الإسلامية، وأوجدت مجموعة من التحديات التي أثرت في القيم والأخلاق بشکل عام. (يونس، وآخرون، 2017، 26-30).
وتزداد أهمية التربية الإسلامية في العصر الحاضر المليء بالتيارات الفکرية المتعددة، والمؤثرات الثقافية المختلفة الناتجة عن التغير السريع، وتوظيف التطور المعرفي، والتکنولوجي في شتى مجالات الحياة، الأمر الذي يؤثر في معتقدات أفراد المجتمع، ويغير من سلوکهم بما يحمله من مضامين منافية للعقيدة والأخلاق، والقيم، والمبادئ، والعادات والتقاليد الإسلامية، ويترتب على ذلک زيادة أعباء التربية الإسلامية في تنشئة الإنسان المؤمن بربه، المتمسک بدينه، المستقيم في سلوکه وأخلاقه، المستقل في تفکيره، والواثق بنفسه (البيضي، 2006، 6) کما أنَّ المنهج الدِّراسي الإسلامي قد حظِيَ باهتمام کبير من المسئولين سواء کانوا حُکَّامًا أو قادةً أو تربويين أو معلمين طيلة عصور ازدهار التربية الإسلامية ولا زالت.