استخدام استراتيجية المحاکمة العقلية فى تدريس الفلسفة لتنمية التفکير التحليلي والمرونة العقلية لدى طلاب المرحلة الثانوية

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

جامعة

المستخلص

 إن العصر الحالى هو عصر التفکير، وذلک لحاجة الفرد والمجتمع المتزايدة  لممارسة أنماط شتى منه، باعتباره أحد أهم أساليب المواجهة والتکيف مع متغيرات العصر المتسارعة، لذلک حاز موضوع دراسة أساليب وأنماط التفکير على اهتمام کثير من الباحثين والعلماء فى شتى المجالات والتخصصات خلال العقود الثلاثة الماضية، ومنها نمط التفکير التحليلي، الذى أصبح مثار اهتمام التربويين فى العالم لأهميته بالنسبة للفرد والمجتمع، فهو يتيح الفرصة لرؤية الأمور والمواقف بشکل أوضح وأوسع، فهو التفکير الذى يوصل إلى أفکار جديدة بعد أن يتجاوز الأنماط التقليدية منه.
فامتلاک الفرد القدرة على التحليل تمکنه من الفحص الدقيق للأفکار والمواقف من خلال تجزئتها إلى مکوناتها الفرعية، وإدراک العلاقات أو الارتباطات بين تلک المکونات، وبالتالى فهم أوضح لتلک المواقف، والعمل على تنظيمها فى مرحلة لاحقة. (المهداوى، 2015، ص317)*
وواقع الأمر أن أغلب الناس فى محاولاتهم لإيجاد حلول لمشکلاتهم لا يتبعون طرق وأساليب تحليل المشکلة للتعرف على تفاصيلها والاطلاع على زواياها المختلفة من أجل الوصول  إلى لباب الموقف أو المشکلة، ومن هنا تأتى الحلول قشرية وظاهرية لا تعالج جذور المشکلة الأساسية، وربما الذي ساعد على ذلک نمط التربية والتعليم التقليدي القائم على الحفظ والتلقين دون فهم، لذا أصبحت الحاجة ملحة إلى نظام تعليمي وأساليب وطرق تدريس تنمي التفکير التحليلي لدى أبنائه من أجل مواجهة المشکلات المعقدة في عصرنا الحالي وحلها بشکل أدق.
     ومن أبرز مواطن القوة فى أسلوب التفکير التحليلي أنه يساعد الفرد على النظر إلى المشکلة من زوايا مختلفة، ويرغمه على الترکيز على التأثير الحقيقي للقرارات التي يتخذها، کما أنه يتطلب جمع المعلومات، وزيادة مشارکة المجموعة، ويمکن أن يوفر معلومات قيمة، وهو مفيد جداً عندما يکون الموقف ذا أبعاد منطقية تحليلية. (Harrison and Bramson, 2002, p45)  
وطبيعة الفلسفة کعلم وکمادة دراسية أنها لا تقف في ممارستها عند ظواهر الأمور وقشورها، ولکنها تسعى للوصول إلى الجوهر واللباب، والتحليق بنظرة تحليلية للأمور بهدف الوصول إلى الجذور البعيدة وماهية الأشياء، على أن تبدأ بکل أنشطتها وممارساتها من الواقع الفعلي في حياة الناس اليومية لتجعل هذا الواقع نقطة الانطلاق فى سيرها، وتضع هذا الواقع تحت مظلة محاکمة عقلية لا تعتمد على أى سلطان آخر سوى سلطان العقل والمنطق، غير أن هذا لايعني الإنطواء والعزلة، فمن مواقف الحياة العملية يبدأ التفکير الفلسفي نشاطه.
     کما يرى علماء نفس الجشطالت أن التفکير التحليلي يبدأ أولاً عن طريق الموقف، بحيث تنشط مجموعة من العمليات الإدراکية التى تؤدي إلى إعادة ترتيب العمليات وتنظيمها عن طريق التفاعل الدينامى مع بعضها البعض والضغوط الداخلية توجه نفسها إلى نشاط حل المشکلات والذى يتضمن عادة الخبرة والعمليات الإدراکية (الوائلى، 2008، ص22).
     ويرى خليفة (2002، ص29) أن التفکير وعملياته يحتاج بيئة هادئة حتى يکون خلاقاً، حيث يقع التحليل ضمن عمليات التفکير (الاستدلال، والتحليل والمقارنة، والتحديد العيني، والتجريد والتعميم)، وأن التفکير التحليلي يحتل مرحلة من مراحل التفکير العلمي، ومراحل اتخاذ القرار، صياغة المشکلة ووضع الفروض، وجمع البيانات وتحليلها وتفسيرها، وتفهم دلالتها، وأن عملية التفکير التحليلي هى القاسم المشترک بين أکثر من عملية من عمليات التفکير.
     بناءًا على ما سبق فإن تعليم وتدريب المتعلم على التفکير التحليلي يتطلب تهيئة موقف تتکامل فيه عناصر ومقومات عدة تجمع بين الهدوء وشحذ وعمق التفکير، وتفنيد الأمور، وتقديم الأدلة لتأکيد المعلومة، ووضع کل الآراء ووجهات النظر تحت مظلة التقييم والمحاکمة.