التطبيق النبوي للمقاصد الحاجية والتحسينية للشريعة الإسلامية دراسة فقهية حديثة أصولية.

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

جامعة

المستخلص

مقدمة البحث:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد.
فقد جاءت الشريعة الإسلامية من أجل حماية الکون، وفي مقدمته إنصاف الإنسان، وتحريره من الظلم، وفرضت أحکام الحلال والحرام، وأباحت الرخص بشروطها المعقولة في حالات استثنائية من أجل حفظ المهجة، ورعاية المصالح العامة والخاصة، واعتماد تقعيد العموم والخصوص.
وإذا استثنينا بعض أفراد من المذهب الظاهري، فإن الأمة الإسلامية مجمعة على أن الشريعة إنما هي حکمة ورحمة ومصلحة للعباد في دنياهم وآخرتهم، وأن أحکامها کلها على هذا المنوال، ما علمنا من ذلک وما لم نعلم.
وهذا الإجماع عن الأئمة وسائر العلماء المعتبرين قديم يرجع إلى الصحابة رضي الله عنهم، وهو ما حققه وصرح به عدد من العلماء محققين مدققين في فقه الصحابة والسلف. قال العلامة شاه ولي الله الدهلوي: "وقد يُظن أن الأحکام الشرعية غير متضمنة لشيء من المصالح… وهذا ظن فاسد تکذبه السنة وإجماع القرون المشهود لها بالخير"([1]).
وتأتي هذه الدراسة لتفتح آفاقًا مهمة في "علم المقاصد" لم يتم الترکيزُ عليها بشکل کبير، ألا وهو کيفية التطبيق الواقعي لمقاصد الشريعة، فمعظم الکتابات الموضوعة في علم المقاصد اهتمت بشکل کبير بالتنظير والتقعيد من خلال الآيات القرآنية والسنة النبوية، ولم تتطرق کثيرًا إلى التطبيق النبوي لهذه المقاصد من خلال تعاملات النبي صلى الله عليه وسلم وفتاويه وتصرفاته، وتلک مسألة مهمة کان يجب على العلماء العناية بها والالتفات إليها والترکيز عليها؛ لأن هذا الأمر سوف يوضح لنا کيف کان النبي صلى الله عليه وسلم يراعي المقاصد الکبرى لشريعة الإسلام في تشريعاته وفتاويه، وسوف يعطينا صورة دقيقة عن هذه المقاصد وکيفية تفعيلها في حياتنا اليومية؛ مما يکون له أکبر الأثر في حل کثير من المستجدات والمشکلات التي تواجه المسلمين في العصر الحديث.
فعلى سبيل المثال: من مقاصد الشريعة: حفظ المال، فنرى نبينا صلى الله عليه وسلم قد قام بتحريم سرقة الأموال أولاً، ثم ذکر عقوبة مخالفة هذا الأمر في الآخرة ثانيًا، وثالثًا قطع يد السارق. وهکذا إذا تتبعنا نصوص السنة النبوية في حماية الأموال، استطعنا أن نرسم معالم التطبيق النبوي لمقصد حفظ المال.
کما تفتح الدراسة فکرة مهمة جدًّا في موضوع المقاصد لم يتم التطرق إليها من قبل، ألا وهي فکرة تزاحم المقاصد في وقت واحد، وأيها أولى بالأهمية والتقديم. وسوف أستطيع من خلال عرض تطبيقات السنة النبوية لمقاصد الشريعة أن أحدد ضوابط تقديم بعض المقاصد على بعض من خلال هذا التطبيق النبوي الشريف.



([1]) حجة الله البالغة، للإمام شاه ولي الله أبي عبد العزيز أحمد بن عبد الرحيم الفاروقي الدِّهْلَوي الهندي الحنفي، تحقيق ومراجعة: السيد سابق، دار الجيل، بيروت، ط1، 1426هـ، 2005م، (1/15).