برنامج أنشطة مقترح قائم على ريادة الأعمال لتنمية مهارات التفکير المستقبلي والاتجاه نحو التعلم الريادي في مادة الجغرافيا لطلاب المرحلة الثانوية.

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

جامعة

المستخلص

مـقـدمـة البحث:
أوجد التقدم العلمي المتسارع والتغيرات الاقتصادية الکبيرة والثورة التکنولوجية والمعرفية الهائلة التي يشهدها العالم اليوم، وما ترتب على ذلک من تغيرات وتطورات کبيرة في أسواق العمل بمختلف المجالات العديد من العقبات أمام الشباب ذکورًا وإناثًا فيما يتعلق بالتوظيف واختيار المهن التي سوف يعملون بها بعد تخرجهم، ومع التطور السريع في المعرفة وتکنولوجيا الاتصالات واقتصاديات السوق والسرعة في إنتاج المعرفة أصبح الأفراد يعيشون حالة من التحدي العقلي والفکري، وأصبحت السبيل إلى التقدم ومواکبة العصر ومعايشته والمشارکة فيه تتوقف على التفکير؛ خاصة أن أحد معايير التقدم هو قدرة الشعوب على التفکير السليم والبعد عن التقليدية والآلية.
ويعد التفکير هدفًا أساسيًا من أهداف التربية الذي تسعى المؤسسات التعليمية إلى تنميته لدى المتعلمين، وسبيلها إلى تحقيق ذلک المناهج الدراسية في جميع المراحل التعليمية؛ إذ إنها نشاط عقلي ذو أهمية کبيرة في حياة الأفراد والمجتمعات، فمن خلاله يتدبر الإنسان ويبصر ويعقل کل ما حوله لکي يتمکن من التفاعل مع الوسط المحيط به لتحقيق التقدم والرقي للمجتمع بأسره.ولعل الحاجة إلى التفکير لا تتضح فقط في البحث عن المعلومات واختبارها للمواقف المختلفة، وإنما استخدام هذه المعلومات في معالجة المشکلات على أکمل وجه ممکن.
ونظم التعليم الحالية والمستقبلية ليست مطالبة فقط بتعليم المزيد والمزيد من الأفراد، بل أن يکون مستوى تعلم هؤلاء الأفراد على درجة عالية من الکفاءة علميًا وتحصيليًا، ولتحقيق ذلک فإننا نحتاج إلى مناهج وبرامج تعليمية معاصرة تتماشى مع المتغيرات الحادثة في مجتمعنا (اللقانى، 1995)؛ ذلک لأن المناهج الدراسية هي الوسيلة الرئيسة لتحقيق أهداف التربية؛ فهي المرآة التي تعکس الثقافة السائدة في أي مجتمع من المجتمعات، وعن طريقها يکتسب الأفراد ثقافة مجتمعهم والصفات السلوکية التي تؤهلهم للحياة في مجتمعهم المتغير المتطور.
وقد أصبح من الضروري أن يُدرج البُعد المستقبلي في کل مناهجنا الدراسية، وفي أساليب تدريسنا، بل ويجب أن يکون الواقع المستقبلي جزءًا أساسيًا من تفکير الطلاب، وأيضًا ما يُمکن أن يحدث من احتمالات في المستقبل، حيث أن تدريس الجغرافيا يهدف إلى إکساب المتعلمين المهارات العقلية التي تمکنهم من تنمية القدرة على التفکير، خاصة الجغرافيا البشرية؛ فيرکّز هذا القسم على دراسة الأنماط، والعمليّات التي تشکّل المجتمع البشري: (الثقافية، والتنموية، والاقتصادية، والصحية، والتاريخية، والسياسيّة، والدىموغرافيا، والدىن، والاجتماعية، ووسائل النقل التي يستخدمها النّاس، والنشاط السياحي، والحضاري). کذلک طرح الحلول الواقعية والعملية للمشکلات التي تخص السکان والبيئة، بالإضافة إلى الأخطار التي يتعرض لها الإنسان وممتلکاته؛ إذ إنّ علم الجغرافيا لا يقتصر بشکل رئيسي على وصف الظواهر التي تحدث على الأرض فقط ؛ بل ذهب إلى مرحلة التخصيص التي تواکب وتتماشى مع التطوّر العلميّ الذي شهده العالم مع أواخر القرن العشرين وحتى الآن؛ وذلک لأنّه يعتمد على أدوات التحليل، والقياس، والربط، إضافة إلى استعمال نماذج، ونظريات تطبق واقعيًا. (صلاح الدين عرفة، 2005)
ومن الأهداف العامة لتدريس الجغرافيا، خاصة في المرحلة الثانوية، إتاحة الفرصة للطلاب کي يمارسوا طرائق التفکير السليمة، بالإضافة إلى مساعدتهم على اکتساب المهارة في استخدام أسلوب حل المشکلات، وعلى اکتساب المهارات اللازمة لاستيعاب ما يدرسونه، وليس هذا فقط، بل تطبيق ما يتم دراسته على مواقف حياتية تسهم في حل المشکلات التي قد تواجههم في الحياة.
ويعد التفکير المستقبلي أحد أنماط التفکير الذي يتطلب معالجة المعلومات التي سبق تعلمها من أجل استشراف آفاق المستقبل؛ فهو يرتبط بالعديد من المهارات العقلية التي يؤديها المتعلم، والمهارات النفس حرکية التي يتطلب أداؤها جميعًا توظيف العقل، ويشترط حدوث الأداء الماهر والمتميز لتلک المهارات العقلية.
وتکمن أهمية التفکير المستقبلي في إعداد الطلاب في أن يتدبروا أمر مستقبلهم بشکل أکثر وعيًا وفعالية، وفي تکوين أجيال قادرة على التدبر وإعمال العقل لدىها روح المغامرة والتحدي لمواجهة التحديات المستقبلية، وقادرة على التفکير في المستقبل ومؤمنة بقدراتها وإمکانياتها في بناء هذا المستقبل وتوجيهه دون إغفال الماضي والحاضر (السعدي، 2008).
کما بين مصطفي وشاکر أهمية التفکير المستقبلي في الآتي: (رسلان وعبد العظيم، 1998) (العيسوى، 2010)
-       عمليات التغيير الاجتماعي والحضاري تستغرق وقتًا طويلاً، ولابد من الإعداد والتخطيط لها على مدى زمني طويل.
-       أهمية معرفة نتائج تطبيق السياسات الحالية وإمکانية استمرارها.
-       إن تربية المستقبل تدعو إلى إيجاد حل لرفع مستوى التفکير العلمي والنظري والتجريبي عند المتعلمين بما يضمن لهم القدرة على التفکير الموضوعي النقدي؛ لمواجهة الغزو الثقافي والقيمي وتأثيراته على أنماط السلوک والتفکير وفلسفة الحياة.
-       يعيش عالمنا العربي حاليًا حالة من التغير، وبالتالي يعيش أزمة حقيقية، مما يدفعنا إلى أن نفکر ونتأمل الماضي والحاضر والمستقبل، ونحاول البحث عن طريق نسترشد به.
-       ضخامة التحديات المستقبلية التي سوف تواجه البشرية، وتراکمها السريع وسرعة تغيرها.
ونتيجة لذلک يُعتبر التفکير المستقبلي من المقومات المرغوبة والمطلوبة للمواطن العصري، ومن ثم أصبحت الحاجة إلى تنمية التفکير المستقبلي لدى الطالب ضرورة ملحة، وعليه فنحن في حاجة إلى فکر تعليمي مستقبلي، لا يتطلع إلى حل مشاکل الماضي فقط؛ بل إلى تصور مستقبلي لحياة المواطن والمجتمع.
ويعتبر التعليم الريادي من المفاهيم المهمة سواء للدول المتقدمة أو النامية على حد سواء؛ إذ تسهم المشاريع الريادية مساهمة فعالة في التنمية الاقتصادية في مختلف البلدان، وقد أولت الدول والمؤسسات الدولية أهمية خاصة لريادة الأعمال خصوصًا بين الشباب باعتبارها مدخلاً مهمًا للتخفيف من معدلات البطالة العالمية، ومجالاً خصبًا لإنشاء المشاريع وتحقيق الابتکارات والإصلاح الهيکلي، مثل التحول الفکري بعيدًا عن التوظيف في القطاع الحکومي، وإصلاح سياسات العمل، وتعزيز نمو المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وإنشاء النظم البيئية المواتية لريادة الأعمال (المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، ٢٠١٤(
ومن هنا برز دور ريادة الأعمال بعد عجز العديد من المؤسسات العامة والخاصة عن استيعاب المزيد من الشباب العاملين؛ مما أدى إلى تفاقم البطالة بين آلاف الخريجين والخريجات ودفعهم للبحث عن البديل الآخر للوظائف، کما بدأت غالبية الدول والحکومات تعمل على سن القوانين والتشريعات الداعمة والراعية لقطاع المشاريع الصغيرة والمتوسطة، باعتبارها التجسيد الحقيقي للعمل الريادي.
 وقد قطعت العديد من الدول شوطًا ملحوظًا في هذا المجال، وأصبحت لدىها تجارب مميزة في الريادة من خلال دعمها وتشجيعها لقطاع الأعمال الصغيرة والمتوسطة لکي تلحق برکب التقدم وبناء المستقبل برؤية متطلعة.
وعلى ذلک فقد أصبحت ريادة الأعمال بمفهومها الواسع من أهم القضايا الملحة التي تحظى باهتمام عالمي واسع، ذلک نظرًا للدور الذي تؤديه في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، إضافة لدورها المتميز في إشراک العديد من الفئات المجتمعة في النشاط الاقتصادي، وعلى وجه التحديد فئة الشباب من خلال إقامة المشاريع ومنظمات الأعمال الخاصة بهم (الشميمري، 2010).
وقد أسهم تشجيع وتعزيز التعليم للريادة في الإنجازات التي حققتها حملة التعليم للجميع  (EFA)والتي هي أولوية لليونسکو في مجال التربية والتعليم، وفي السنوات الأخيرة، جرت محادثات موسعة حول مفهوم التعليم للجميع، وما يمکن الاستفادة منه في تحقيق تعليم وتدريب يسهم في إعداد الأفراد للحياة والعمل، فبما أن المزيد من الأطفال والبالغين يتلقون التعليم الأساسي ويستکملونه؛ فمن المهم تزويدهم بالمهارات اللازمة لعالم العمل التي تمکنهم من القدرة على العمل بشکل لائق، وإعالة أنفسهم وعائلاتهم، وتسهم في جعلهم أعضاء فاعلين ومحترمين في المجتمع؛ إذ يسهم التعليم للريادة بشکل خاص في تحقيق أهداف التعليم للجميع، لا سيما الأهداف ذات الصلة بالمهارات الحياتية (منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم، ٢٠١٢).
ولما کان التعليم الثانوي في مصر مرحلة تعليمية مهمة ومؤثرة للغالبية العظمى من الطلاب لمسئوليته عن إعداد هؤلاء الطلاب للحياة العلمية والمهنية، وکذلک إعدادهم معرفيًا وثقافيًا لإدارة شئونهم الشخصية والمالية والاقتصادية؛ کانت أهمية وجود نظام جيد وفعال للتوجيه والإرشاد نحو قضية مهمة مثل ريادة الأعمال، فلهذا التوجيه - الذي يعمل على وضع الفرد المناسب في المکان المناسب نتيجة الاختيار الجيد - العديد من الفوائد النفسية والاقتصادية والصحية منها: ارتفاع نسب النجاح والتفوق في مجالات الدراسة والعمل، وزيادة الإنتاج کمًا وکيفًا، وشعور الفرد بالرضا والسعادة في دراسته ومهنته، وهو ما ينعکس بالإيجاب على حياته العملية والأسرية والاجتماعية والنفسية. (المرکز القومي للبحوث التربوية والتنمية، 2002).
لذا فإنه من الضروري التأکيد على تنمية وعي الطلاب بثقافة ريادة الأعمال، وذلک من خلال نشر الثقافة الريادية في جميع مراحل التعليم وربطها بالواقع العملي المعاش، مع الترکيز على فئة التعليم الثانوي؛ حيث إنهم نواة قادة الفکر ورواد التنمية الاقتصادية والاجتماعية في المستقبل. ويقصد بالوعي هنا: الوعي بمستوياته المختلفة ـ المعرفي والوجداني والسلوکي ـ فالوعي لا يقتصر على عنصر الإدراک والمعرفة بثقافة ريادة الأعمال وما يرتبط بهما من ميول واتجاهات وقيم فحسب، وإنما يتعدى ذلک إلى أسلوب الفهم والتحليل والترکيب وعملية التقييم من جانب الفاعلين وتصرفاتهم وردود أفعالهم ووعيهم بالمعوقات والمشکلات التي تواجه ريادة الأعمال في المجتمع، ومن هنا تأتي أهمية وجود نظام جيد وفعال لتوجيه هؤلاء الطلاب بکل أنواع التعليم وخصوصًا في المراحل التعليمية المنتهية، والتي قد يدخل الطلاب بعدها الجامعة أو سوق العمل، وقد أشارت الکثير من الدراسات السابقة إلى هذه الأهمية ومنها:
1- دراسة (علي الحوات، 2005) التي أشارت إلى أن هناک العديد من التحديات التي تواجه البلاد العربية في العصر الحالي مثل: بطالة الشباب، وغياب المبدعين، واختفاء الموهوبين، وأوضحت أن التوجيه والإرشاد المهني الجيد هو السبيل الفعال لمواجهة هذه التحديات، کما أکدت على ضرورة جعل الإرشاد والتوجيه المهني جزءًا من الثقافة العامة في حياة أبناء البلاد العربية، وجزءًا من التعليم والتنشيءة الاجتماعية للشباب، وقامت کذلک بوضع استراتيجية لتطوير وتحديث التوجيه والإرشاد المهني بالعالم العربي.
2- دراسة (Bernes, et al, 2007) التي أکدت على أهمية التوجيه والإرشاد المهني للطلاب في کل أنواع التعليم، والحاجة الشديدة إلى دراسات تجريبية وتتبعية أکثر کفاءة تقوم بها النظم التعليمية والمنظمات المهنية لتحديد فاعلية هذا التوجيه ومستقبله، والبيئة الاقتصادية والثقافية اللازمة له، والأدوات والوسائل التي يمکن استخدامها في قياس مدى تحقيقه لأهدافه.
3- دراسة (Sultana & Watts, 2008) التي أشارت إلى أهمية التوجيه والإرشاد المهني في کل أنواع التعليم ومراحله، وقامت بمراجعة وتحليل خدمات التوجيه والإرشاد المهني في عشرة من دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من بينها مصر، وأوضحت أن هذه الخدمات وشکلها ومستواها يرتبط إلى حد کبير بالمستوى الاقتصادي والسياسي والاجتماعي والثقافي للدولة، کما قدمت الدراسة مجموعة من التوصيات للتنمية المستقبلية لخدمات التوجيه والإرشاد المهني بهذه المنطقة.