فعالية العلاج بالقبول والالتزام في تنمية الشعور بالتماسک وأثره في خفض الضغوط النفسية لدى أمهات الأطفال ذوي اضطراب طيف التوحد.

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

جامعة

المستخلص

أولاً- مقدمة الدراسة:
تحلم کل أسرة تنتظر مولود جديد أن يکون هذا المولود سليم ومعافى ويکونوا متشوقين لقدومه، وتتطور طموحاتهم في هذا المولود بشکل تلقائي في حالة تمتعه بالسلامة الجسدية والعقلية ويصبح على عاتق الأسرة العديد من المسؤوليات تجاه هذا المولود؛ في حين تتشوه صورة هذا الوليد عندما يعاني من إعاقة وخاصة لو أن الطفل يعاني من اضطراب طيف التوحد تلک الإعاقة التي تحول من تواصله الفعال مع البيئة المحيط به، بل وتعوق مسار النمو المعرفي والاجتماعي لديه؛ مما يعد بمثابة صدمة کبيرة للأسرة وخاصة للأم لما يقع عليها من عبء الرعاية الذاتية للطفل ونقص المؤسسات التي تساعدها في تعليمه وتنمية مهاراته.
وجدير بالذکر أن تلک الفئة من ذوي الإعاقات لم تحظي بالاهتمام الکافِ کغيرها من الإعاقات الاخري کالإعاقة العقلية والسمعية والبصرية بوجود مدارس مؤهلة بکوادر بشرية للتعامل مع تلک الفئة مما يجعل الأسرة دائما في حيرة في البحث عن مراکز متخصصة للتعامل مع طفلها من أجل تحسين حالته ولا شک أن ذلک يتطلب من الأسرة المزيد الجهد والمال بل ويزيد من شعور الأسرة وخاصة الأمهات بمستوي مرتفع من الإجهاد والضغوط النفسية. لاسيما أن طفل اضطراب طيف التوحد يقابل بالرفض من الأسرة بمجرد معرفة الأسرة أنه يعاني من هذا الاضطراب، بالإضافة إلى أنه يتطلب المزيد من الجلسات التي تهتم بتنمية المهارات وجلسات التخاطب الأمر الذي من شأنه أن يکون سبب في وضع الأمهات تحت الشعور بضغوط مستمرة وکذلک شعورها بأعراض ضاغط تتفجر مع زيادة العبء عليها (أمال إبراهيم الفقي، 2016، 94).
هذا وتؤکد نتائج العديد من الدراسات والبحوث التي أجريت على أمهات ذوي الاحتياجات الخاصة بصفة عامة وأمهات أطفال اضطراب طيف التوحد على أن تلک الفئة من الأمهات علي وجه التحديد يزيد لديهن مستوى الشعور بالضغوط النفسية، ولعل من أبرز تلک الدراسات التي أشارت إلى ذلک دراسة (Duarte; Bordin; Yazigi; & Mooney, 2005)، ودراسة (Davis & Carter, 2009)، ودراسة (Estes; Munson; Dawson; & Koehler, & Zhou; & Abbott, 2009)، ودراسة (2015 Eikeseth; Klintwall; Hayward, & Gale,)، ودراسة (Findler; Jacoby; & Gabis, 2016)،، ودراسة (Bhattacharya; Chakraborty; Basu; & De, 2019)، ودراسة (Miranda; Mira; Berenguer; Rosello; & Baixauli, 2019).
 حيث أکدت نتائج بعض الدراسات کدراسة (Tomeny, 2017)، ودراسة (Argumedes; Lanovaz & Larivee, 2018)، ودراسة (2019 Porter & Loveland,)، ودراسة (Phetrasuwan & Shandor Miles, 2009) ودراسة (Dabrowska & Pisula, 2010)، ودراسة (May; Fletcher; Dempsey & Newman, 2015) على ضرورة إعداد برامج إرشادية وعلاجية لخفض مستوي الضغوط لدى أمهات أطفال اضطراب طيف التوحد، إلا أن الباحث جذب انتباهه متغير مهم يسهم بدور فعال في مواجهة مستوي الضغوط لدى الأفراد بصفة عامة ويُعرف هذا المتغير بالشعور بالتماسک Sense Of Coherence (SOC).
هذا ويُعرف الشعور بالتماسک بأنه توجه نحو الحياة يعبر عما يمتلکه الفرد من شعور دائم ودينامي بقدرة الفرد على التنبؤ بالعالم المحيط وخبراته الداخلية والخارجية؛ کما يعتبر نوعاً من الميل التفاؤلي اتجاه الأشياء الضاغطة وغير القابلة للضبط والتحکم، ونوع من الثقة بوجود إمکانات للمواجهة (حدة يوسفي، 2018، 180-181)، ومن ثم يعد الشعور بالتماسک مورد صحي وعامل واقي من الضغوط (حدة يوسفي، 2017، 103 & يوسفي حدة، 2017). ومن ثم فإن تنمية الشعور بالتماسک يمکن أمهات الأطفال ذوي اضطراب طيف التوحد من مواجهة المواقف الضاغطة التي قد يتعرضن لها نتيجة وجود طفل يعاني من اضطراب طيف التوحد له العديد من المتطلبات والاحتياجات قد يعجز أن يؤديها بذاته، علاوة على کونه متغير نفسي له المقدرة على تحسين مستوي الطاقة النفسية للفرد وکذلک رفع قدرة التحمل لدي الأمهات على مواجهة المواقف الضاغطة في مواقف الحياة اليومية.
 حيث تؤکد نتائج بعض الدراسات على أن تنمية الشعور بالتماسک يؤدي إلى تحسين مواجهة الضغوط وخفض مستوي القلق لدى عينات مختلفة من بينها أمهات الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة بصفة عامة وأمهات أطفال اضطراب طيف التوحد على وجه التحديد ومن هذه الدراسات؛ دراسة (Flannery & Flannery, 1994)، ودراسة (Delgado, 2007)، ودراسة (Amirkhan, Greaves, 2003)، ودراسة (Wolff & Ratner, 1994)، ودراسة (Antonovsky; & Sagy, 1986)، ودراسة (Oelofsen, & Richardson, 2006) ودراسة (Weissbecker; Salmon; Studts; Floyd; Dedert; & Sephton, 2002)، ودراسة (Albertsen; Nielsen, & Borg, 2001))، ودراسة (Van der Colff; & Rothmann, 2009)، ودراسة (Nielsen & Hansson, 2007)، ودراسة (Darling; McWey; Howard, & Olmstead, 2007)، ودراسة (Lee, & Jun, 2013)، ودراسة (Soderfeldt; Soderfeldt; Ohlson; Theorell; & Jones, 2000)، ودراسة (Torsheim, Aaroe, & Wold, 2001)، ودراسة (Agardh; Ahlbom; Andersson; Efendic; Grill; Hallqvist;... & Ostenson, 2003)، ودراسة (Norlin; Faresjo; Falk; Jones; & Walter, 2019)، ودراسة (Madhu; Siddiqui; Desai; Sharma, & Bansal, 2019)، ودراسة (Gebrine; Lampek; Sarvary; Sarvary; Takacs; & Zrinyi, 2019)، ودراسة (Behnke, Conrad, Kolassa, & Rojas, 2019)، ودراسة (Lundeberg, Toivanen, 2019) ودراسة (Izydorczyk; Sitnik-Warchulska; Kuhn-Dymecka; & Lizinczyk, 2019).
وعلى الرغم من وجود بعض الدراسات التي حاولت دراسة الشعور بالتماسک لدى عينات متعددة؛ إلا أنه يوجد ندرة - في حدود إطلاع الباحث- في الدراسات التي استهدفت إعداد برامج علاجية أو تدريبية أو ارشادية لتنمية الشعور بالتماسک لدى أمهات الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة وخاصة أمهات اطفال اضطراب طيف التوحد. ولکن تمکن الباحث من الوصول إلى بعض الدراسات التي تناولت الشعور بالتماسک کمدخل علاجي ووقائي للعديد من المشکلات لدى عينات متعددة منها ما ينتمي لذوي الاحتياجات الخاصة ومنها من هم عاديين، حيث توصلت نتائج دراسة (Abramsohn; Peles; Potik; Schreiber & Adelson, 2009) أن الشعور بالتماسک يعد مدخل وقائي maintenance treatment للحد من مشکلات الإدمان، ودراسة کفاح خلف نفيل، إيمان حسن جعدان (2019) التي کشفت نتائجها عن أهمية تنمية الشعور بالتماسک في تحسين التوافق النفسي لدى المعاقين حرکياً، في حين أکدت نتائج دراسة (Cederfjall; Langius-Eklof; Lidman; & Wredling, 2002) على أهمية تنمية الشعور بالتماسک کعلاج تکاملي مع العلاج بالأدوية لمرض الإيدز وخفض الوصمة المرضية المدرکة، في حين أبرزت دراسة (Arvidsdotter; Marklund; Taft; & Kylen, 2015) دور الشعور بالتماسک ونوعية الحياة في علاج بعض الاضطرابات النفسية کالاکتئاب والقلق، أما دراسة (Holde; Baker, & Jonsson, 2018) فقد کشفت نتائجها أن تنمية الشعور بالتماسک يسهم في خفض العديد من أشکال الضغوط والمخاوف المتعلقة بجراحات الأسنان، في حين توصلت دراسة (Sinikallio; Pakarinen; Tuomainen; Airaksinen; Viinamaki, & Aalto, 2019) أن تنمية الشعور بالتماسک يمکن استخدامه کمدخل تأهيلي لبعض المرضي المقبلين على جراحات العمود الفقري والحد من الضغوط النفسية التي يعانوها قبل إجراء الجراحة.
أما عن بعض الدراسات التي تناولت فعالية النماذج والمداخل العلاجية المختلفة في تنمية الشعور بالتماسک فقد کشفت نتائج دراسة (Malm; Fridlund; Ekblad; Karlstrom; Hag; & Pakpour, 2018) عن فعالية العلاج المعرفي السلوکي المختصر القائم على اليقظة العقلية في تنمية الشعور بالتماسک لدى مرضي طنين الأذن، في حين کشفت نتائج دراسة (Sairanen; Tolvanen; Karhunen; Kolehmainen; Jarvela-Reijonen; Lindroos;... & Lappalainen, 2017) أن التدخل العلاجي القائم على القبول والالتزام يسهم في تحسين مستوى المرونة النفسية والشعور بالتماسک الاجتماعي، کما أشارت بعض نتائج دراسة (Arch; & Mitchell, 2016) عن فعالية العلاج بالقبول والالتزام في تحسين الشعور بالتماسک لدى مرضي السرطان المتعافين ويعانون من قلق العودة للمرض، في حين کشفت نتائج دراسة (Rasanen; Lappalainen; Muotka; Tolvanen; Lappalainen, 2016) أن العلاج بالقبول والالتزام عبر الانترنت له فعالية في تحسين مستوى الرفاهية النفسية والتماسک النفسي لدى طلبة الجامعة، في حين کشفت نتائج دراسة رأفت عبد الرحمن (2010) عن فعالية العلاج بالقبول والالتزام في تنمية مشاعر التماسک لدى المرضي بأمراض مزمنة.
ونخلص مما سبق أن العلاج بالقبول والالتزام يعد من أبرز النماذج العلاجية التي قد تسهم بفعالية في تحسين الشعور بالتماسک لدى عينة الدراسة؛ حيث يعد العلاج بالقبول والالتزام أحد تيارات العلاج الموجة الثالثة من العلاج النفسي أسسه ستيفن هايز Stephen Hayes في أواخر الثمانينات من القرن الماضي مستنداً إلى أسس فلسفية تعود إلي کل من فلسفة السياق الوظيفي، ونظرية الإطار العلائقي والتي من أبرز قوانينها قانون التحليل الوظيفي للسلوک وتقترح تلک النظرية ثلاثة متطلبات للنظر في وجود إطار ارتباطي فعال بين الأفراد وبعضهم البعض، وهما: الاستحقاق المتبادل، الالتحام الاندماجي، تحويل الوظائف (Ruiz, 2016, 126 ; Bennett & Oliver, 2019, 31).
کما تأسس العلاج بالقبول والالتزام على بعض الأسس الاجتماعي والتي منها التفکير السياقي ومدى فعاليته في التنبؤ والتأثير في الأحداث من خلال فهم السلوک في السياق الذي يحدث، بالإضافة إلى خلفية السلوک التحليلي لهذا العلاج حيث نرى أن الأفکار والمشاعر والاستجابات الفسيولوجية هي سلوکيات بمعنى أنها أشياء يفعلها الفرد (مثل التفکير والشعور)، وبالتالي فهي تحکمها مبادئ مماثلة لأي سلوک آخر؛ ووفقًا للفلسفة السياقية التي تکمن وراء هذا العلاج فإن البيئة والسلوک والتاريخ ونتائج السلوک کلها جزء من السياق ويجب أن يتم أخذها في الاعتبار أثناء الجلسات العلاجية (Fickert, 2012, 29 & Hayes,‎ 2004, 21 & Powers ; Vording & Emmelkamp, 2009, 76 & Hayes; Strosahl & Wilson,‎ 2011, 36 & Bennett & Oliver, 2019, 32-33 ).
هذا وقد تم استخدام العلاج بالقبول والالتزام في خفض العديد من المشکلات والاضطرابات النفسية منها علاج نوبات الألم المزمن (McCracken; Sato; & Taylor, 2013)، کما أثبت فعاليته في خفض اضطرابات القلق (Arch; & Craske, 2008 & Wetherell; Liu; Patterson; Afari; Ayers; Thorp;... & Petkus, 2011 & Forman; Shaw; Goetter; Herbert; Park, & Yuen, 2012 & Arch; Wolitzky-Taylor; Eifert; Craske, 2012)، وفعاليته في خفض الاکتئاب (Kanter; Baruch; & Gaynor, 2006 & Forman; Herbert; Moitra; Yeomans; Geller, 2007& Petersen, & Zettle, 2009 & Zettle; Rains & Hayes, 2011 & Bohlmeijer, Fledderus, Rokx, & Pieterse, 2011 & Hayes; Boyd & Sewell, 2011, & Walser; Garvert; Karlin, Trockel, Ryu, & Taylor, 2015 & Pots, Fledderus, Meulenbeek; Peter; Schreurs & Bohlmeijer, 2016 ).
 کم ثبت فعاليته في خفض اضطرابات الأکل (Berman; Boutelle & Crow, 2009 & Juarascio; Forman & Herbert, 2010 & Juarascio; Shaw; Forman; Timko; Herbert; Butryn;... & Lowe, 2013 & Hill; Masuda; Melcher; Morgan & Twohig, 2015 & Linardon; Gleeson; Yap; Murphy & Brennan, 2019 & Venturo-Conerly; Wasil; Shingleton & Weisz, 2019)، کما تم استخدامه في خفض التنمر الوظيفي (بشرى إسماعيل أحمد، 2018).
 هذا وقد کشفت نتائج بعض الدراسات فعاليته في خفض اضطراب الوسواس القهري (Fuenmayor; de Fernandez & Suarez-Roca, 2019 & Davazdahemami; Bayrami; Petersen; Twohig; Bakhtiyari; Noori & Kheradmand, 2019 & Shabani; Mohsenabadi; Omidi; Lee; Twohig; Ahmadvand & Zanjani, 2019)، کما تم استخدامه في تعديل سلوک التدخين (Hernandez-Lopez, & Luciano; Bricker; Roales-Nieto & Montesinos, 2009)، هذا وقد ثبت فعاليته في تنمية مقومات الشخصية القوية والهناء النفسي لدى عينة من معلمات المرحلة الثانوية (بشرى إسماعيل أحمد، 2019)، کما استخدمته سعاد کامل قرني (2019) في خفض قلق المستقبل المهني لدى طلاب شعبة التربية الخاصة. کما کشفت نتائج دراسة Sewart., Niles., Burklund., Saxbe., Lieberman., & Craske (2020) عن فعالية العلاج بالقبول والالتزام في خفض القلق الاجتماعي، في حين کشفت نتائج دراسة Gaudiano., & Herbert (2020) عن فعالية العلاج بالقبول والالتزام في خفض بعض الاعراض الذهانية لدى عينة من المرضي المترددين على العيادات النفسية، کما کشفت نتائج دراسة کل من Bagherian., Feizi., Afshari., & Darani (2020) عن فعالية هذا العلاج في تحسين مؤشرات جودة الحياة لدى مرضي تصلب الشرايين.
وجدير بالذکر أن نموذج العلاج بالقبول والالتزام من بين النماذج العلاجية الفعالة في التعامل مع العديد من المشکلات ؛ کما يستخدم کمدخل وقائي في الحد من الضغوط النفسية وخاصة لدى أسر ذوي الاحتياجات الخاصة، کما يعد نموذج علاجي مناسبة للأفراد الذين يعانون من ظروف حياتية قاسية، حيث کشفت العديد من الدراسات فعاليته في زيادة جودة الحياة وزيادة وعي الأفراد بالمواقف الضاغطة ومساعدتهم في التعايش معها (بشرى إسماعيل أحمد، 2019، 6)؛ إلا أن الباحث لم يتمکن من الوصول لدراسة هدفت استخدام العلاج بالقبول والالتزام في تنمية الشعور بالتماسک وخفض الضغوط النفسية لدى أمهات الأطفال ذوي اضطراب طيف التوحد. لذا حاولت الدراسة الحالية التحقق من فعالية العلاج بالقبول والالتزام في تنمية الشعور بالتماسک وخفض الضغوط النفسية التي يعاني منها أمهات الأطفال ذوي اضطراب طيف التوحد.