نماذج معاصرة في تقويم مناهج اللغة العربية وفق نموذج تايلر.

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

جامعة

المستخلص

              د/ آنا عبدالله الشمايلة[1]





المستخلص:
يتميز القرن الحادي والعشرين بالثروة المعرفية الهائلة والنمو المتجدد والمتسارع للمعرفة فالإنتاج المعرفي يتزايد بشکل کبير يصعب متابعته، فالعلم يتقدم في کافة الجوانب سواء التربوية أو العلمية الأخرى. وأکد الهادي (2012) أن العالم شهد في السنوات الأخيرة العديد من التحولات والتغيرات في جميع المجالات الثقافية والاقتصادية والاجتماعية، کما شهد انفجاراً علمياً وتقنياً والتي تنتج عنها تزايد حجم التراث المعرفي وسرعة تدفق المعلومات؛ مما أدى إلى تضخم حجمها، وتطورت نظريات ونماذج تقويم المناهج  وکان لزاماً على القائمين على أمر النظام التعليمي إعادة النظر في منظومة تصميم المنهاج أهدافاً ومنهجاً وتدريساً وتقويماً ؛ لتصبح مخرجات العملية التعليمية  قادرة على التکيف مع تلک التغيرات وذلک من خلال الأخذ بأساليب حديثة في تقويم وتصميم المناهج.
وأستند مفهوم المنهج القديم على الفلسفات القديمة کالمثالية التي تؤکد اهمية المعرفة والتشديد على اتقان المواد الدراسية؛ ولذلک فان المنهج الذي يبنى على اساس کون المادة الدراسية محور العملية التعليمية ، ويعني مجموع المعلومات والحقائق والمفاهيم التي تقدمها المدرسة الى تلاميذها بقصد اعدادهم للحياة وتنمية قدراتهم عن طريق المامهم بخبرات الاخرين والاستفادة منها في مجالات الحياة، وقد کانت هذه المعلومات والحقائق تمثل مختلف انواع المعرفة، ولما کانت هذه المعلومات تقدم بصورة مواد دراسية منفصلة عن بعضها البعض موزعة بين مراحل دراسية مختلفة، فان ذلک يعني ان المنهج بالمفهوم التقليدي هو مجموعة المواد الدراسية التي تعد من متخصصين وتقدم للطلبة وعليهم الالمام بها، وعلى هذا الأساس فان المنهج التقليدي يعني المقررات الدراسية الذي أهتم بحشو اذهان التلاميذ بالمعلومات الکثيرة واهملت الجوانب الشخصية الاخرى من جسمية وميول وحاجات کما لجأ المدرسون الى تأکيد الحفظ والتلقين واستخدام الشدة والقمع والعقاب في تعليم التلاميذ المعلومات والمعارف دون الاهتمام بخبراتهم الحياتية ودون النظر إلى أهمية ذلک في تعديل سلوکهم واکسابهم العادات والمهارات(الحميداني، 2018).
وبالنظر لکثرة الانتقادات الموجهة الى المنهج التقليدي دعت الحاجة الى تبني مفهوم حديث للمنهج يتجاوز العيوب وقد عززت هذه الحاجة المتغيرات التي أشار لها التميمي(2018) التطور العلمي والتکنولوجي الذي ادى الى تغيير الکثير من المفاهيم الاجتماعية والقيم واحداث تغييرات کبيرة في احوال المجتمع وأساليب الحياة فيه، والتغير الذي طرأ على وظيفة المدرسة وأهداف التربية، ونتائج البحوث والدراسات التي اثبتت قصور المنهج التقليدي عن الاستجابة لمتطلبات نمو شخصية المتعلم وما تقتضيه الحياة المعاصرة، والعوامل المؤثرة في المنهج کالمجتمع وثقافته والبيئة وعناصرها والنظريات التربوية التي يتأسس عليها المنهج،  وما يتصل بهذه العوامل من متغيرات وتطورات کل هذه الأسباب أدت إلى الانتقال من مفهوم التقليدي إلى المفهوم الحديث.  وأشار الخوالدة وعيد(2011) إلى أنه ومنذ اوائل القرن العشرين بدا عصر الانفجار المعرفي لدى الانسان وتضاعف عدد البحوث والدراسات والمؤلفات في ميداني التربية وعلم النفس عدة مرات مما ساهم کثيرا في ظهور العديد من التعريفات الحديثة المتعلقة بمفهوم المنهج المدرسي، وأصبح يُنظر للمنهج على انه الخبرات حيث عرّفه کراج Krug1956 المشار له في الخوالدة وعيد(2011) جميع الوسائل التي يتم تنفيذها في المدرسة من اجل تزويد الطلاب بالفرص المناسبة للمرور بالخبرات التعليمية المرغوب فيها.  وفي عام 1964 کتب المربي دول Doll  قائلا: لقد تغير تعريف المنهج المدرسي من مجموعة المواد الدراسية ومن محتوى المقرر الدراسي الى جميع الخبرات التي يتم تقديمها للمتعلمين تحت اشراف المدرسة او رعايتها او توجيهها(الجعفري، 2010).
وبناء على ما سبق فإن الهدف من صناعة المناهج تخطى الهدف التقليدي الذي يهتم بالجانب المعرفي للمتعلم معتمداً على التلقين لکي يصل إلى نتيجة وهي الحفظ والاستذکار إلى هدف أسمى وأرقي وهو بناء عقل المتعلم ليصبح قادراً على إنتاج المعرفة النوعية التي تسهم في التقدم في جوانب الحياة المختلفة، حيث أشار الإبراهيم وعبدالرازق (1999) أنه بدأ الاهتمام بجعل المناهج الدراسية أکثر إثارة للتفکير وتراعي أساليب التعلّم ونظرياتها، وأختلفت نظريات تخطيط المناهج المدرسية وتصميمها لبناء العقل عن طريق اکساب وتنمية مهارات التفکير العليا لدى المتعلمين.
 ولعل تخطيط المنهج من أهم الأمور التي تواجهها السلطات التعليمية بل يعد في الواقع المرحلة التي تظهر فيها بوضوح فلسفلة الدولة التعليمية، ولذلک فهو أمر هام قد تختلف حوله وجهات النظر سواء في المفهوم منه او في طريقة إجرائه أو في مسئولية عمله وکما أن المربين يختلفون کذلک حول المفهوم من تخطيطه فکثير من المدرسين يرون ان تخطيط المنهج يعني کتابه مقررات دراسية او تحديد محتوى المواد الدراسية التي تدرس في المدرسة،  ولکن بعض المربين يعتقدون بان تحديد محتوى المادة غير کاف في تخطيط المنهج،  ويرون ان تخطيطه لا ينبغي ان يقتصر على مجرد العناية بالمادة الدراسية،  فحسب بل ينبغي ان يشمل الخبرات المتنوعة للتلاميذ ايضاً وهم في هذا يؤکدون مفهوماً واسعاً للمنهج يختلف عن مفهومه الاول ويرون ان تحديد المادة الدراسية غير کاف لضمان تحقيق الأهداف التربوية فيها بل لا بد أن تُراعي الخبرات المتوافرة للمتعلمين وهي التي تضمن تحقيق هذه الأهداف(السر، 2018).
وقد أشار التميمي(2018) إلى أنّ أول مراحل لتقويم المناهج هي مرحلة التخطيط لتقويم المنهج؛ وتبدأ هذه المرحلة بخطوة تحديد الهدف من إجراء عملية التقويم على المنهج، وتحديد فئات المستفيدين من عملية التقويم وتحديد احتياجاتهم، ذلک أن تحديد فئات المستفيدين وتحديد
احتياجاتهم سيساعد بالضرورة على جعل الهدف من عملية التقويم أکثر تحديداً ودقة، وبعد الانتهاء من هذه الخطوة الثانية والتي تختص بتحديد نوعية المعلومات المطلوبة لتحقيق عملية التقويم،  فإذا کان الهدف من إجراء التقويم هو تحديد اتجاهات التلاميذ والمعلمين والمشرفين فإن المستفيدين في هذه الحالة هم هذه الفئات الثلاثة، ومن ثم نوعية المعلومات المطلوبة في هذه الحالة هي معلومات خاصة بالاتجاهات دون غيرها من نواتج التعلم، وفي هذه المرحلة فقد أکد محمود (2008) أنه يتم  تحديد أهداف المناهج بحيث تکون نابعة من الأهداف العامة للتعليم ومؤدية لها وذلک في کل مرحلة من مراحل التعليم وانواعه المختلفة، وترتبط المناهج بالبيئة المحلية وتعکس احتياجاتها وتساعدها على التطور والتقدم، وتکون متدرجة ومتماشية مع مراحل نمو الطلبة، وان تسمح خطة المناهج بمراجعتها بصفة دورية منتظمة وبإدخال التعديلات الضرورية عليها کلما کان ذلک ضرورياً.
وهذا وينبغي أن تتسع دائرة المشارکة في وضع المناهج التعليمية بحيث تشمل بالإضافة الى المتخصصين من رجال التربية والتعليم کل من يعنيه امر التعليم في المجتمع وفي مقدمة هؤلاء ممثلون عن مؤسسات الاعمال والنقابات والجمعيات العلمية ومنظمات المجتمع المدني والاتحاد العام للأدباء والمنظمات الثقافية والاستفادة من کل الطاقات والتخصصات التي من شأنها أن ترفد القائمين على التخطيط والبناء معلومات وأراء قيمة وفعالة يمکنها ان تحقق تفاعلاً في وجهات النظر وفي الخبرات وترتقي بالأداء(الساموک والشمري، 2009). 
ثم مرحلة جمع المعلومات  وتتعلق بتحديد المعلومات، وتحديد نوع الأدوات المناسبة لجميع المعلومات المطلوبة، وتحديد صلاحيتها ومن ثم تحليل المعلومات التي جمعت من مصادر متعددة (فئات المستفيدين) وتفسير هذه البيانات والمعلومات التحى تم تحليلها، ثم مرحلة عرض المعلومات على المتخصصين وتتکون هذه المرحلة من خطوة واحدة، هي خطوة توثيق المعلومات وعرضها على المتخصصين بالمعلومات التي تم تحليلها وتفسيرها في اتخاذ القرار أو للمهتمين أصلا بنتائج عملية التقويم، وتتبعها مرحلة استخدام نتائج التقويم  لإصدار أحکام واتخاذ قرارات ممن يملکون هذه السلطة. (وزارة التربية والتعليم) إما باستمرار المنهج کما هو أو تعديل بعض جوانبه أو حتى بحذف المنهج القائم فعلا واستبداله بمنهج جديد.
وفي البحث الحالي سيتم الترکيز على إحدى نماذج التقويم بالترکيز على تقويم أهداف المنهج بإستخدام إحدى النماذج الهدفية " نموذج رالف تايلر" Tyler‎  حيث يتم تقويم الأهداف التعليمية التي  تصف التغيرات المراد إحداثها لدى الطلبة؛ نتيجة تفاعلهم مع الخبرات التربوية المقدمة لهم سواء کانت هذه التغيرات معرفية أو وجدانية أو مهارية،  والأهداف بهذا المعنى تختلف من حيث مستوياتها، فمنها ما يکون عاماً وشاملاً وبعيد المدى يحتاج لتحقيقه إلى زمن طويل قد يستغرق جميع مراحل التعليم، وهى ما تسمى بالغايات،  ومن الأهداف ما يکون أقل عمومية وشمولاً من الغايات ويحتاج في تحقيقه إلى فترة زمنية أقل نسبياً، وهى ما يطلق عليه مصطلح الأغراض (العوض، 2017) وتندرج تحته أهداف کل مرحلة تعليمية على حدة،  ومن الأهداف ما يکون أکثر تحديداً ودقة من الأغراض ويصف نواتج التعلم النهائية المرغوب فيها في عبارات سلوکية بعد انتهاء المتعلم من دراسة منهج معين وهي ما يطلق عليه اسم الأهداف السلوکية أو الأهداف الإجرائية (العوض، 2017).
وتحديد الأهداف بصورة إجرائية يساعد على بناء المنهج وتطويره وتقويمه، إذ أن هذه الأهداف تکون وثيقة الصلة بالمحتوى وأسلوب تنظيمه من ناحية وبطرق التعليم والتعلم وأساليبه ومواده من ناحية أخرى وبأساليب التقويم من ناحية ثالثة(التميمي، 2018).
وتتطلب الصياغة الدقيقة للأهداف الاسترشاد بمجموعة من المعايير التى تساعد على تقويم الأهداف منها: أن تصف عبارات الأهداف کلا من السلوک المطلوب من المتعلم القيام به بعد الانتهاء من دراسة المنهج ومستوى هذا السلوک، وأن تکون الأهداف واقعية ممکنة التحقيق فى حدود القدرات والإمکانات المتاحة، وأن تکون الأهداف ملاءمة لمستويات نضج الطلبة وخبراتهم الحالية، وأن تکون النواتج التعليمية المرغوب فيها والمتضمنة فى عبارة الهدف لها قيمة وظيفية بالنسبة للطلبة  وبمعنى آخر تکون هذه الخبرات ذات معنى وترتبط باهتمامات وحاجات الطلبة، ولتقويم الأهداف يمکن استخدام أدوات أو إجراءات خاصة لذلک مثل استطلاعات الرأي والتقارير أو إجراء مقابلات شخصية مقننة مع المختصين من خبراء المناهج، وعلم النفس التربوي، وخبراء المادة، وخبراء التقويم ومستشاري المواد والموجهين الأوائل والموجهين و المعلمين وعادة ما تقدم لهذه الفئات الأهداف المرغوبة ثم يطلب منهم تقويمها في ضوء المعايير السابقة أو غير ذلک من المعايير(التميمي، 2018).



 [1]د/ آنا عبدالله الشمايلة: وزارة التربية والتعليم –الأردن.