دَرَجَةُ مُمَارَسَةِ مُعَلِّمَاتِ الرِّيَاضِيَّاتِ بِالمَرْحَلَةِ الثَّانَوِيَّةِ لِمَهَارَاتِ التَّدْرِيْسِ التَّأمُّلِيِّ وَعَلَاقَتُهَا بِمَهَارَاتِ التَّعَلُّمِ السَّرِيْعِ وَالتَّفْكِيْرِ الابْتِكَارِيِّ لَدَى طَالِبَاتِهِنَّ.

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

جامعة

المستخلص

مقدِّمة البحث وخلفيته النظرية:
يشهد العالم اليوم تطورًا علميًّا وتقنيًّا سريعًا، وهذا التطوُّر فرض على القائمين على التعليم مسايرة الواقع، من خلال تطوير المناهج الدراسيَّة، ولقد نالت منظومة تعليم الرياضيات وتعلُّمها، نصيبًا كبيرًا من الإجراءات والعمليات التي تهدف إلى تحديث طرق تدريسها، ومن ثمَّ تحسين مُخرَجاتها، حيث تمَّ تحديث وتطوير إستراتيجيات وأساليب تعليم الرياضيات وتعلُّمها؛ وذلك لأن الأساليب والإستراتيجيات التقليديَّة التي تعتمد على سلبيَّة المتعلِّم لا يمكنها أن تُحدِث التغيير المنشود.
كما أن الممارسات التقليديَّة في التدريس تحدُّ من تفكير المتعلِّم؛ مما يتسبَّب في عرقلة تعلُّمه وفهمه للرياضيات، ومن الأمور التي تعزِّز مسار تطوير تدريس الرياضيات هو خصوصيَّة تركيبتها المعرفيَّة، وما تستدعيه تلك التركيبة، من ضرورة في تنويع الممارسات التدريسيَّة التي تجعل المتعلِّم هو جوهر أنشطة التعلُّم ومحورها (ريان، 2011، 86). وقد سعت المملكة العربيَّة السعوديَّة إلى تقديم مشروع لتدريس مناهج العلوم الطبيعيَّة والرياضيات من خلال تطبيق سلاسل ماجروهيل العالميَّة، بحيث يتمُّ تعليم الرياضيات وفق معايير عالميَّة، وخبرات وطنيَّة متطورة مهنيًّا، داخل وزارة التعليم؛ للوصول إلى مستوى عالمي متقدِّم في تعليم وتعلُّم العلوم والرياضيات (بخيت، 2017).
ونظرًا لأن المعلِّم يعدُّ من أهمِّ مدخلات العمليَّة التعليميَّة، وأكثرها تأثيرًا في تعلُّم الطلاب؛ باعتباره الدعامة الأساسيَّة التي يقوم عليها الإصلاح والتجديد التربوي؛ فإن أي تطوير في العمليَّة التعليميَّة لا بدَّ أن يبدأ وينتهي بالمعلِّم (الغنيم، 2011، 2)، وهذا ما أكَّده الشائع (2013، 59)؛ حيث يرى أن التجارب والمشاريع التطويريَّة التربويَّة قد أوضحت أن نجاح أي مشروع تطويري يتوقف بالدرجة الأولى على المعلِّم؛ لأنه يمثل أهمِّ عناصر العمليَّة التعليميَّة، فهو مَن يملك مفتاح النجاح والفشل، وقد أخذ موضوع التطوير المهني جهدًا كبيرًا في الأدب التربوي الحديث؛ وذلك لأهميته الكبرى في عمليَّة الإصلاح، ودوره في الحفاظ على معرفة المعلِّم ومهاراته، وتطوُّرها وفق المستجدَّات، ظهر ما يُسمَّى بتدريب المعلِّمين، الذي تحوَّل تدريجيًّا إلى أن وصل إلى ما يُسمَّى بالتطوير المهني الذاتي، أو تعلُّم المعلِّم Teacher Learning، ومن أساليب التطوير المهني الذاتي التدريس التأمُّلي، وهو أن يقوم المعلِّم بمراجعة، وتحليل، ونقد ممارساته التدريسيَّة التي يتمُّ بموجبها تطوير الوعي الذاتي، بما يحقق النمو المهني، والقدرة على حلِّ المشكلات، وتوفير الوسائل البديلة؛ لتحقيق الأهداف.
وقد دخلت الأفكار التأمُّليَّة بما تتضمَّنه- نظريًّا وتطبيقيًّا- في الميدان التربوي، بعد تزايد اقتناع الباحثين التربويين بهذه الأفكار؛ باعتبار أن الممارسات التأمُّليَّة ضرورة للتطوير المهني للتربويين بشكلٍ عامٍّ (Kim, 2005).
والممارسات التأمُّليَّة هي المدخل المثالي لإعداد المعلِّم، حيث تضع المعلِّمين في مركز تطوير أنفسهم، من خلال تحليل ممارساتهم وتقييمها، فمن خلال التدريس التأمُّلي يقوم المعلِّم بالتفكير في خبراته الحاليَّة والسابقة، بطريقة تحليليَّة نقديَّة؛ لمعرفة نقاط الضعف لديه، فيعمل على تطويرها، ونقاط القوة لديه فيقوم بتعزيزها، ويمكِّن المعلِّمين من التأثير في اتجاهات التعليم المستقبليَّة (حسن، 2013)، وهذا ما أكَّده صرصر (Sarsar (2008,16 بأن التدريس التأمُّلي "يساعد المعلِّمين على وضع الإستراتيجيات المناسبة لتطبيق المعرفة الجديدة في المواقف المعقَّدة، كما يساعد على نمو المعلِّمين مهنيًّا، وإحداث التغييرات الإيجابيَّة في أداء المعلِّم".
والتدريس التأمُّلي يحددبأنه: "دورة منهجيَّة من التقييم الذاتي المستمرِّ الذي يقوم به المعلِّمون في المدارس، وتعتمد هذه الدورة على القيام بالمناقشات المفتوحة، أو تقديم التحليلات في صورة مكتوبة"(Ratminingsih, &Artini, &Padmadewi., 2017, 170).
وترى الباحثة أن من أهمِّ خصائص التدريس التأمُّلي هي تسبُّبه للمعلِّم المتأمِّل في نوع من القلق الذي يدفعه لبذل الجهود المضنية لتحويل الموقف المحيِّر إلى موقف مستقرٍّ نسبيًّا، أي أن التدريس التأمُّلي يجعل المعلِّم دائم القلق والتردُّد والتشكُّك، حول أفكاره، وخُططه، وممارساته؛ بالإضافة إلى ذلك، فإن مدى فاعليَّة وكفاءة التدريس التأمُّلي يعتمد بصورة رئيسة على مسؤوليَّة المعلِّم، والالتزام بالتطوير الذاتي، واستمرار سؤال الذات عن طبيعة التدريس، وفاعليته على أداء الطالب.
من جهة أخرى يمرُّ التدريس التأمُّلي بمرحلتين، هما كما حددها فالي Valli (1997):

المرحلة الأولى: فحص القناعات التربويَّة والفرضيات، ويتمُّ ذلك من خلال قيام المعلِّم بكتابة قناعاته ومبادئه التربويَّة، فيما يخصُّ العمليَّة التربويَّة أو عمليَّة التدريس.
المرحلة الثانية: ويقوم المعلِّم بملاحظة ممارساته، وتفحصها، وتحليلها بشكلٍ دقيقٍ؛ ليتأكَّد من مدى ملاءمتها مع قناعاتها وتمثُّلها، أم عدم ملاءمتها، وفي حال عدم ملاءمتها يسعى لمعرفة السبب، ويكون ذلك بكتابة التقارير الشخصيَّة عن الأداء.

ويمكن تصنيف مهارات التدريس التأمُّلي بشكلٍ عامٍّ إلى ثلاث فئات رئيسة، وتتمثل في: مهارات التأمُّل الوصفي: وهو تحديد ووصف المشكلة التي يتمُّ التأمُّل حولها؛ والتأمُّل المقارن: وهو النظر إلى المشكلة من أكثر من منظور، والتأمُّل الناقد: وهو الأكثر شمولًا، ويكون من خلال التأمُّل حول جميع الأطراف ذات الصِّلة، مثل الطلاب، والمعلِّمين، والمدرسة، والمجتمع (Jay & Johnson, 2002) .
وقد أوضح باوان Pawan(2003) أن مهارات التدريس التأمُّلي تتمثَّل في: القدرة على جمع البيانات الوصفيَّة، وتحليلها، وتقييمها، والتخطيط لكيفيَّة وضع أنشطة وبدائل مختلفة عمَّا سبقها، والتفكير في المعتقدات التي تكمُن وراءها، وتعميم الخطَّة التي تتضمَّن رؤى جديدة؛ لتحسين الممارسات التدريسيَّة، واتِّخاذ القرارات ومراقبة التأثيرات، بحيث تستمرُّ هذه العمليَّة بشكلٍ دائريٍّ.
وتكمن أهميَّة التدريس التأمُّلي كذلك في أنه يُسهم في تحقيق عدد من الـمُخرَجات المهمَّة بالنسبة للمعلِّم، مثل الرفع من مستوى الأداء بما يتوافق مع معايير التدريس الموضوعة (Ratminingsih, Artini, &Padmadewi,  2017).
ويساعد التدريس التأمُّلي المعلِّم على تحديد المشكلات ومواجهتها ومعالجتها، مما يُسهم في وضع خطط العمل، واتخاذ الإجراءات الأكثر توافقًا مع كلٍّ من أهداف العمليَّة التعليميَّة واحتياجات الطلاب (Benade, 2015, 110).
وقد خلُص عدد من الدِّراسَات التربويَّة إلى أهميَّة التدريس التأمُّلي، مثل: دراسة أبو سلطان، وأبو عسكر (2017) التي أظهرت أن تدريب المعلِّمين على تأمُّل ممارساتهم التدريسيَّة يُسهم في تحقيق النموِّ المهنيِّ لهم، وكذلك دراسة حسن (2013) التي أوصت بضرورة دمج التدريس التأمُّلي في برامج إعداد المعلِّمين، ودراسة الجبر (2013) التي أشارت إلى الأثر الإيجابي لاستخدام التدريس التأمُّلي في حلِّ المشكلات الصفيَّة.
وتوصلت دراسة زاهد وغنام (Zahid &  Khanam(2019 إلى عدَّة نتائج، منها أن التدريب على ممارسات التدريس التأمُّلي أدَّى إلى تحسين مهارات المعلِّمين وأدائهم في أثناء التدريس، بالرغم من أنهم لم يتمكَّنوا من ممارسة جميع مهارات التدريس التأمُّلي، وقد ساعدت هذه الدِّراسَة على تحسين إستراتيجيات التدريس التأمُّلي، وضمها إلى برامج تدريب المعلِّمين، لتصبح جزءًا مهمًّا من عملهم التدريسي لتحسين مهاراتهم.
   في حين أكدت دراسة العمري، والدهمش، وعلي، والسليمي (2018) على أن المعلِّمين يقومون بممارسة الأنشطة التي تمثِّل مجالات التأمُّل بدرجة عالية، كما كشفت الدِّراسَة عن عدم وجود فروق ذات دلالة إحصائيَّة (عند مستوى α≤ 0.05)  بين متوسِّطات درجات الممارسات التأمُّليَّة، لدى معلِّمي الرياضيات في المرحلة الثانويَّة بالمملكة العربية السعودية، ترجع إلى عامل جنس المعلِّم، أو الخبرة التدريسيَّة.
ودراسة الرشيدي (2018) التي هدفت إلى تقدير درجة استخدام الممارسات التأمُّليَّة لدى معلِّمي المرحلة الثانويَّة في مدينة بريدة، من وجهة نظرهم، وقد أشارت نتائج الدِّراسَة إلى أن درجة استخدام الممارسات التأمُّليَّة لدى معلِّمي المرحلة الثانويَّة في مدينة بريدة، من وجهة نظرهم كانت متوسِّطة، وقد أشارت النتائج أيضًا إلى عدم وجود فروق ذات دلالة إحصائيَّة (α≤ 0.05)، تُعزى لأثر كل من الجنس، والتخصُّص في مستوى الممارسات التأمُّليَّة.
كما أجرى ديسو (Disu(2017 دراسة هدفت إلى الكشف عن تجارب وممارسات المعلِّمين للتدريس التأمُّلي في مدينة نيويورك. استخدم الباحث مدخل البحث النوعي والمتمثِّل في المنهجيَّة الظواهريَّة لدراسة مشكلة الدِّراسَة، توصَّلت الدِّراسَة إلى عدَّة نتائج، أهمها أن المعلِّمين يمارسون التدريس التأمُّلي لخلق معنى من خبراتهم في الفصول الدراسيَّة، ووضع الإجراءات اللازمة لتحسين التدريس داخل الفصول الدراسيَّة. ومن خلال ممارسة التدريس التأمُّلي، تمكَّن المشاركون من التحقُّق من تدريسهم، وتقييم تعلُّم الطلاب، والبحث عن أفكار جديدة، وبناء النظريات لاكتساب وجهات نظر جديدة بشأن تجاربهم في الفصول الدراسيَّة.
وهدفت دراسة كاري (Carey  (2017 إلى الكشف عن تصوُّرات المعلِّمين وممارستهم للتدريس التأمُّلي في ولاية تكساس بالولايات المتحدة الأمريكيَّة، كشفت الدِّراسَة عن استخدام المعلِّمين للأنشطة التأمُّليَّة في ممارساتهم التعليميَّة، واستخدام أدوات مختلفة للرصد والتطوير والتحسين في التدريس، وأن المعلِّمين مدركون خصائص التدريس التأمُّلي وفوائده في الحصص الدراسيَّة داخل حجرة الصفِّ.
وركزت دراسة كوماريونايك (Kumari & Naik (2016 على تأثير التدريب على الكفاءة والتدريس التأمُّلي في مهارات التدريس، لمعلِّمي ما قبل الخدمة خلال التدريب العملي، وكشفت نتائج هذه الدِّراسَة أن إستراتيجيَّة التدريس التأمُّلي لها تأثير كبير في تطوير مهارات التدريس.
وأجرى كلٌّ من الحنان ومرسي وحمادة (2015) دراسة هدفت إلى تعرُّف أثر برنامج إثرائي قائم على التدريس التأمُّلي في الرياضيات لتنمية التحصيل الدراسي، وبعض عادات العقل، ومهارات التفكير البصري، لدى تلاميذ الصفِّ السادس الابتدائي، وأشارت النتائج إلى فاعليَّة التدريس التأمُّلي، في تنمية التحصيل الدراسي وعادات العقل ومهارات التفكير البصري لدى التلاميذ، كما توصلت دراسة إبراهيم، والعبيدي (2015) إلىفاعليَّة استخدام التدريس التأمُّلي في التفكير الإبداعي لدى طالبات الصفِّ الأول المتوسِّط.
والتدريس التأمُّلي فضلًا عن أنه يقدِّم فرصة ثمينة للمعلِّمين أن يتأملوا ذواتهم، ويقرِّروا ما إذا كانت أهدافهم التدريسيَّة قد تحقَّقت، وكيف يمكن أن يدرسوا، فهو أيضًا يترك أثره الإيجابي في الطلاب الدارسين، حيث يساعد في تحسين مستوى التفكير الناقد، والدافع نحو الإنجاز لدى الطلاب، وهذا ما أوضحته دراسة مرسي (2017)، وله أثر كذلك  في تنمية مهارات الاستقصاء والتحصيل لدى طلاب الصفِّ الخامس (الجبوري، 2016)، كما أكدت دراسة خليفة (2012) فاعليَّة استخدام النموذج التأمُّلي في تنمية مهارات اتخاذ القرار، والذكاء الشخصي، لدى طلاب المرحلة الثانويَّة.
وفضلًا عن ذلك، فإن الممارسات التدريسيَّة للمعلِّم- وبخاصة التدريس التأمُّلي- تُحسِّن من قدرة المعلِّمين على التعليم بنجاح، وتجعلهم قادرين على ضمان تعليم أفضل لكلِّ الطلاب، وذلك من خلال الصفات التي يجب أن يتَّصف بها المعلِّم المتأمل، وقد حدَّدها جون ديوي في أن يكون متفتحًا مسؤولًا ومتحمسًا؛ فالتدريس التأمُّلي يزود المعلِّم بفهم أعمق، ويجعله أكثر استثارة لعمليَّة التدريس التي يمارسها، بما يعود بالنفع على الطلاب الدارسين (Stein, 2000)  .
ولقد زادت الحاجة إلى ضرورة الاهتمام بمهارات التعلُّم السريع في العصر التكنولوجي الحالي؛ بهدف تطوير مهارات المتعلِّمين في المشاركة الفعَّالة في عمليَّة التعلُّم، وتنمية قدراتهم الذاتيَّة في الحصول على المعرفة اللازمة؛ للوصول بسرعة إلى مصادر المعلومات.
وقد وصف ماير (2008) التعلُّم السريع بأنه نوع مميَّز من أنواع التعلُّم الاجتماعي المترابط بين الأركان، المعتمد على الألعاب، والتعاون الاجتماعي، والذي يبعد كلَّ البعد عن أساليب التعلُّم التقليديَّة، كالتلقين، والحفظ.
كما أشار هلال (2007) إلى أن التعلُّم السريع يقدِّم تصوُّرًا جديدًا لاستثمار العقل البشري، والجسم، وجميع الحواس في التعلُّم، واستخدامها معًا لتحقيق أفضل النتائج، والحصول على أقصى درجة من التعلُّم، وبذلك فالتعلُّم السريع نظام تعليمي متكامل، يزيد من مهارات الطالب المعرفيَّة، وقدراته العقليَّة؛ مما يجعل العمليَّة التعليميَّة فعَّالة في وقت أقصر، وبأقل تكلفة، وأقل جهد. كما أكَّد جاكسون Jackson (2008, 16-17) أن التعلُّم السريع هو منهج للتعليم والتعلُّم، يتوافق مع الدِّماغ الكلي، ويعمل على زيادة كميَّة ما يتمُّ تعلُّمه، مع تقليل وقت التعلُّم. والتعلُّم السريع هو "أداء بشري" له ثلاث خصائص رئيسة، هي: السرعة، والفاعليَّة، والتأثير. أما السرعة فيقصد بها اكتساب المتعلِّم للسلوك بأقصى سرعة ممكنة، والفاعليَّة هي إيجابيَّة في التحصيل والاكتساب، أما التأثير فهو مساعدة المتعلِّم على توظيف ما تعلُّمه في حياته العمليَّة" (الكندري والمحبوب، 2010، 152).
وقد أكَّدت نتائج العديد من الدِّراسَات السابقة أهميَّة تنمية مهارات التعلُّم السريع لدى الطلاب، ومنها دراسة عبد المجيد (2014) التي توصَّلت إلى أن استخدام إستراتيجيَّة الرحلات المعرفيَّة في تدريس وحدة "طرق قياس الزاوية"، قد أسهم في تحسين مهارات التعلُّم السريع، والقراءة السريعة، وتصميم الخريطة الذهنيَّة؛ إلا أنها لم تساعد في تحسن مستوى مهارات حلِّ المشكلات الرياضيَّة.
كما أوصت الدِّراسَات التي قام بها كل من: الكندري، والمحبوب (2010)، كيمKim (2007) ، توماسTomas (2013)، وهاركر وبيري Harker & Perry (2007) بأهميَّة الاهتمام بالتعلُّم السريع مع ضرورة تنوُّع المعلِّم في الممارسات التدريسيَّة التي من شأنها مساعدة الطالب على تطبيق مهارات التعلُّم السريع، وإجراءاته، وعملياته، في إنجاز وظائف التعلُّم والتفكير، بشكل يجعلهم متعلِّمين مستقلِّين، يستطيعون تعليم أنفسهم مدى الحياة.
وتوصلت دراسة طلبة (2018) إلى فاعليَّة البرنامج المقترح القائم على التعلُّم السريع في تنمية التواصل الرياضي، وبعض عادات العقل لدى تلاميذ المرحلة الابتدائيَّة، كما أشارت دراسة أميليا وآخرين (Amelia et.al, (2018 إلى أن التعلُّم السريع ذو فاعليَّة كبيرة على أداء الطلاب، إذ أن هناك فروقًا ذات دلالة إحصائيَّة بين متوسِّط درجات طلاب المجموعة التجريبيَّة والمجموعة الضابطة، لصالح المجموعة التجريبيَّة.
وأجرى كل من بارتلي بونتز وكرونبورج (Bartley-Buntz, &Kronborg(2018 دراسة هدفت إلى التعرُّف إلى تصوُّرات طالبات المرحلة الثانويَّة حول برنامج التعلُّم السريع في مادة الرياضيات في أستراليا، توصَّلت نتائج الدِّراسَة إلى أن الطالبات قدروا فرصتهم في ممارسة التعلُّم السريع في مادة الرياضيات، وأبدين رضاهنَّ عن تعلُّمهنَّ في دراسة وحدات الرياضيات، وأعربن عن تقديرهنَّ لدور البرنامج في تحسين قدراتهنَّ المعرفيَّة الرياضيَّة.
كما أشارت دراسة فلويد (Floyd(2017 إلى فاعلية التعلُّم السريع في التحصيل الدراسي للطلاب في مقرَّرات اللغة الإنجليزيَّة والرياضيات المقدمة في كليَّة المجتمع بعد المرحلة الثانويَّة في الولايات المتحدة الأمريكيَّة.
والمعلِّم هو أهمُّ العوامل الفاعلة في تنمية التفكير الابتكاري لدى الطلاب في المدارس، وذلك يتوقَّف على مهنيَّة المعلِّم، ومدى امتلاكه مهارات التدريس الفاعل، ذلك التدريس الذي يستند إلى أن المتعلِّم هو محور العمليَّة التعليميَّة، ومدى وعيه بمقوِّمات وأهميَّة الابتكار، وقدرته على تطبيق طرائق التدريس التي تُسهم في تنمية التفكير الابتكاري (الصغير، 2019، 699).
وقد أشار عمر (2009) إلى أن تفكير الطلاب يتأثر بممارسة المعلِّم للتدريس التأمُّلي، فاستخدام المعلِّم للتدريس التأمُّلي يُتيح الفرصة للطلاب لمقارنة المعلومات التي لديهم بالمعلومات السابقة، واستخلاص علاقات جديدة بين المعلومات، وتطبيق هذه العلاقة في مواقف جديدة أو مواقف افتراضيَّة، ثمَّ تقييم ما قاموا به، فالمعلِّم المتأمِّل يستطيع أن يساعد تلاميذه في امتلاك مقوِّمات السلوك الذكي، والثقة بالنفس، والعقل المتفتح، وهذا يساعد بدوره في تنمية التفكير الابتكاري لدى تلاميذه.
والتفكير الابتكاري هو "اكتساب القدرة والمهارات في اكتشاف الحلول، والتفكير الخلَّاق، والحوار المبني على التحليل والاستنباط، ويتمُّ ذلك بواسطة ثلاث مراحل؛ أولها الإدخال، وهو تحصيل المعلومات الجديدة من خلال التتابع المنطقي، وثانيها الاستقراء، وهو الاستنتاج عبر سلسلة من الملاحظات والتطوُّرات المحتمل حدوثها، وإكمال الجمل الناقصة، وثالثها التفسير، وهو ترتيب المعلومات من أجل تقديم التفسير" (الريس، 2014، 685- 686).
ولقد أصبح مجال تنمية مهارات التفكير الابتكاري في الرياضيات، أحد المجالات المهمِّة التي شغلت الكثير من الباحثين والتربويين في العصر الحالي؛ وذلك لأن هذا العصر مليء بالتحدِّيات والمواقف التي تتطلَّب من الفرد إبداعًا دائمًا لمواجهتها، كما أن التطوُّر العلمي والتكنولوجي المنتشر في العالم يستثمر بشكل إيجابيٍّ من دول العالم بأكملها، في تطوير عمليَّة التعليم والتعلُّم بمراحلها المختلفة، وإن التعلُّم بالطرق التقليديَّة يؤثر سلبًا في تنمية مهارات التفكير الابتكاري في الرياضيات، وهو ما يفرض ضرورة تبنِّي برامج تفاعليَّة، وإستراتيجيات جديدة، تساعد على تنمية مهارات التفكير الابتكاري لدى الطلاب. (العنزي وكفافي وصلاح، 2017، 276-277).
كما أوصت الدِّراسَات التي قام بها كلٌّ من أبو عقيل (2011)، سليمان (2007)، العمري (2014)، رزق(2009)، شويهي (2016)، الرويلي (2014) بضرورة الاهتمام بمهارات التفكير الابتكاري في الرياضيات، لدى طلاب المرحلة الثانويَّة، وأن للمعلِّم دورًا مهمًّا في تنمية الابتكار لدى طلبته، وخصوصًا معلِّم المرحلة الثانويَّة، كما أكَّدت ضرورة استخدام أساليب غير تقليديَّة في فصول الرياضيات، تساعد المعلِّم على تنمية الابتكار الرياضي لدى الطلبة.
وفي نظرة إلى الواقع يتَّضح أن تعليم الرياضيات يواجه تجاهلًا لضرورة إثارة التفكير الابتكاري لدى الطلاب، وخاصة في المرحلة الثانويَّة، حيث يفتقر الطلاب لهذه المهارة، فنجدهم يتعلَّمون الرياضيات فقط لاجتياز الامتحانات المدرسيَّة، فهناك استخدام متواضع من قِبَل المعلِّمين لمهارات التفكير، وخاصة معلِّمي الرياضيات، فواقع التدريس يُظهر تناقضًا بين الأهداف التي تسعى المادة لتحقيقها، والممارسات الصفيَّة لمدرسيها.
وفي ضوء ما سبق عرضه؛ يتضح ارتباط أسلوب المعلِّم في التدريس وطريقته، بأداء طلابه ومستواهم، واستجابة لموجة التحديثات في المنظومة التربويَّة بشكلٍ عامٍّ، وعمليتي تعليم الرياضيات وتعلُّمها بشكلٍ خاصٍّ، يأتي هذا البحث للوقوف على إحدى الممارسات التدريسيَّة، وفق أبرز التوجُّهات الحديثة في هذا المسار، باعتبار ذلك مدخلًا لتحقيق التغير المنشود؛ وصولًا إلى تحسين هذا الواقع، وتأصيل مبدأ التحديث لدى المعلِّمين، وصنَّاع القرار التربوي.