إستراتيجية مقترحة قائمة على النظريتين البنيوية والبنائية لتنمية المفاهيم النحوية لطلاب المرحلة الثانوية وأثرها في أدائهم اللغوي.

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

جامعة

المستخلص

المقــدمــة: 
 تعد اللغة أساسًا مهمًا للحياة الاجتماعية، وضرورة من أهم ضروراتها، فهي منهج للتفكير، ونظام لتعبير الإنسان عن حاجاته ورغباته وأفكاره ومشاعره، وتخاطبه وتفاهمه وتواصله مع الآخرين، وطريقه إلى فهمهم وتحسس أذواقهم ووسائل التأثير فيهم، وإيجاد العلاقات وبناء الروابط، وهى أيضاُ أساس تنمية أفكار الإنسان وتجاربه، وتهيئته للعطاء والإبداع والمشاركة، كما أنها تنمى قدراته ومهاراته اللازمة لتطوير حياته وتوسيع أفكاره؛ ذلك أن النمو العقلي للإنسان منوط بنموه اللغوي، وأنه كلما تطورت واتسعت لغة هذا الإنسان؛ ارتفعت قدراته العقلية؛ فنما ذكاؤه، وقوى تفكيره.
واللغة تجربة شعورية وعقلية، يتم التعبير عنها من خلال تجربة لفظية، فاللغة منهج للفكر، ونظام للتواصل، وهذا يعنى أن اللغة ليست "وسيلة" ولا "أداة" ولا "وعاء"؛ إنها الرحم الذي يصنع الفكر والثقافة، وينظم التواصل بين أبناء الأمة، وبينها وبين غيرها من الأمم (على أحمد مدكور، 2012م، 132).
وتتخذ اللغة العربية وضعًا خاصًا يميزها بين لغات العالم المختلفة؛ لما لها من قيمة فريدة، حيث تتسم بطابع قومي وديني يعطيانها أهمية خاصة، لا تتسم بها أي لغة أخرى في العالم، فاللغة العربية أقوى مقوّم في نسيج القومية العربية، وهي كذلك لغة القرآن الكريم، وأقوى رباط بين بلدان العالم الإسلامي" (محمود رشدي خاطر وزملاؤه، 1981م، 67).
والنحو أحد فروع اللغة العربية المهمة؛ فهو الذي يهتم بسلامة التعبير وصحة الأداء اللغوي وإفهام المعنى, وهو من مقومات التواصل الصحيح السليم؛ فالخطأ في الإعراب في لغتنا العربية, وفي ضبط الكلمات يؤثر في نقل المعنى المقصود تماماً؛ مما يؤدي إلى العجز عن فهمه(رشدي طعيمة، محمد مناع، 2001م، 53).
وتبرز أهمية إتقان قواعد النحو في اللغة العربية؛ وذلك لأنها وسيلة لضبط اللغة العربية ولسماع لغة سليمة, خالية من الأخطاء؛ فلا يكون من العسير نطقها أو سماعها, أو التعبير بها عن الخواطر والمشاعر وشؤون الحياة بسهولة ويسر(صلاح الراوي، 2003م، 132).
وأصبح تحديد المفاهيم النحوية، وتكوينها، وتنميتها، وإكسابها للمتعلمين موضع اهتمام من المعلمين، وخبراء المناهج ومصممي المواد الدراسية؛ حيث تعمل المفاهيم النحوية على تنظيم المعلومات وتصنيفها، بحيث يسهل توضيح العلاقات بينها وجعلها ذات معنى؛ وبناءً على ذلك لم تعد المفاهيم مجرد جانب من جوانب المعرفة؛ بل أصبحت محاور أساسية، يدور حولها بناء المناهج والوحدات التعليمية وأساليب تدريسها (Barry, k,B, 1999, 17)
لذا فاكتساب المفاهيم النحوية أمر ضروري ومهم؛ لأنها تساعد المتعلم على فهم واستيعاب أساسيات النظام النحوي للغة، والتحقق من تراكم مسائل النحو وتشعبها، فإتقان النحو بإدراك مفاهيمه يمكنه من القيام بعملية التحليل الإعرابي للمفردات والتراكيب.
وتعد المرحلة الثانوية من المراحل التعليمية المهمة في السلم التعليمي، ويحتل الصف الأول منها أهمية خاصة؛ حيث إن طلاب هذا الصف في بداية هذه المرحلة، وهم في حاجة إلى تحصيل واكتساب المفاهيم النحوية، التي تساعدهم في تخصصاتهم المختلفة، وفى بناء ثقافة لغوية تمكنهم من اجتياز هذه المرحلة، وتؤهلهم للدراسة في المرحلة الجامعية.
ولذلك فإن تقديم المفاهيم: النحوية لطلاب المرحلة الثانوية، وتنميتها لديهم بشكل يتناسب مع المستوى المعرفي (العقلي واللغوي)، يساعد في اكتسابهم لهذه المفاهيم، ويُمكنهم من استخدامها، والتطبيق الصحيح عليها؛ ذلك أن نمو المهارات اللغوية يرتبط ارتباطاً وثيقاً بنمو المهارات المعرفية الأكثر عمومية، والنمو اللغوي أهم عامل في نمو القدرات المعرفية، وما لم يتمكن المتعلم من اللغة، فسيفشل في مجالات الأداءات المدرسية الأخرى (عبد المجيد نشواتى، 1991م، 66)
لذلك فإنَّ البحث عن إستراتيجية التدريس المناسبة، التي تجعل هذه المفاهيم واضحة في أذهان المتعلمين هو ما ينبغي الاهتمام به، وقد تعددت النظريات اللغوية التي عالجت مسألة تعلم المفاهيم  وتعليمها، ومن أبرزها النظريتان البنيوية والبنائية مع العلم أن البنائية - في رأي كثير من أهل الرأي- هي المقابل العربي لمصطلح في الإنجليزية هو Constructivism،  ويلتبس هذا المصطلح في أذهان البعض بنظرية أخرى هي البنيوية Structuralism وهي نظرية مغايرة للبنائية في النشأة، وفي المغزى، وفي التضمينات والتطبيقات (أحمد المهدي عبد الحليم، 2003م، 1)
تعد النظرية البنيوية نظرية تحليلية، تقوم على أساس أنَّ تحليل أي عنصر من عناصر اللغة لا يمكن أنْ يتم بمعزل عن بقية العناصر اللغوية الأخرى؛ إذ إنَّ البنية ـ من وجهة نظر البنيويين ـ تَعْني دراسة علاقة كل عنصر بغيره؛ لمعرفة الوظيفة التي يؤديها؛ فالنظام اللغوي يتألف من مجموعة عناصر لغوية ينشأ بينها علاقات (حلمي خليل، 1996م، 96).، أما النظرية البنائية فهي نظرية في التعلم، يعتمد فيها المتعلم على خبراته السابقة في التفاعل مع الخبرات الجديدة( أحمد المهدي عبد الحليم، 2003م، 7:6)
فعندما يوجد المتعلم في بيئة تعليمية اجتماعية فاعلة، فإنه يحدث تفاعل نشط ما بين التراكيب المعرفية السابقة والتراكيب المعرفية الجديدة، ينتج عنه بناء خبرة جديدة ومتطورة عن الخبرات السابقة.
وقد انطلق "دي سوسير" في منهجه البنيوي من فكرة أنَّ اللغة نظام أو بناء أو نسق من العلاقات مترابط الأجزاء، يعتمد كل جزء فيه على غيره بعلاقات تنظم الدلالات، بحيث لو اختلت العلاقة بين هذه الأجزاء؛ لاختلفت الصورة والمضمون، وأنَّ هذا النظام أو البناء يرتكز على قوانين تؤثر في عناصره (فرديناند دي سوسير1985م:  122).
واللغة _ في رأي "دي سوسير" _ ليست ظاهرة متمثلة في التجليات السطحية من الألفاظ والعبارات والنصوص؛ بل إنها تخفي بنية عميقة متعددة العناصر والمستويات في نسق معرفي من العلاقات الفكرية التي تربط بين الأفكار والألفاظ وبين مكونات تركيب الجمل والفقرات، وبين المعنى والسياق وبين أصل اللفظ ومشتقاته( على مدكور، 2012م، 36).
أما قضية اللفظ والمعنى في المنهج البنيوي فقد عبر "دي سوسير" عن اللفظ بالعلامة أو الدال؛ وهو الصوت أو الصورة المحسوسة أو الحركة، والمدلول هو المحتوى أو الفكرة أو ما يُعرف في العربية بالمعنى، أما الدلالة فهي العلاقة بين اللفظ والمعنى (محمد حسين خاقو، 1997م، 94).
والبنيوية لا يقتصر اهتمامها على قواعد اللغة وحسب، بل استخدمت في تفسير الأدب أيضاً وإبراز دور المؤلفين في توظيف الأسلوب الأدبي في كتاباتهم (على مدكور، 2006م، 39).
والبنائية نظرية تهتم بالعمليات المعرفية الداخلية للمتعلم، وتهيئ بيئة التعلم؛ لتجعل الطالب يبني معرفته بنفسه خلال مروره بخبرات كثيرة؛ تؤدي إلى بناء المعرفة الذاتية في عقله، أي أن نمط المعرفة يعتمد على الشخص ذاته، فما يتعلمه (طالب ما) يختلف عما يتعلمه (طالب آخر) عن نفس الموضوع؛ بسبب اختلاف الخبرات التي مر بها كل منهما، وما يمتلكه كل منهما مسبقاً عن الموضوع، وحين وصول المعلومة للطالب يبدأ يفكر فيها، ويصنفها في عقله، ويبوبها، ويربطها مع مشابهاتها إن وجدت، وهكذا إلى أن يصبح ما تعلمه له معنى ومغزى، وفي هذه اللحظة يُقال: إنَّ الطالب تعلم شيئاً، وبالتالي يصبح الطالب أو الفرد قادراً على استخدام هذه المعلومة في حياته، أو توليد معرفة جديدة؛ فيصبح الطلاب منتجين للمعلومة لا مستهلكين لها فحسب (Christopher Beedham,2005, 3)
ويرى الباحث أنَّ البنائية من أكثر النظريات التربوية، التي ينادي بها التربويون في العصر الحديث، وهي _ بشكل عام _ تؤكد أنَّ الفرد يفسر المعلومات والعالم من حوله بناءً على رؤيته الشخصية، وأنَّ التعلم يتم من خلال الملاحظة والمعالجة، والتفسير أو التأويل؛ ومن ثم تتم المواءمة أو التكييف للمعلومات بناءً على البنية المعرفية لدى الفرد، وأنَّ تعلم الفرد يتم عندما يكون في سياقات حقيقية واقعية وتطبيقات مباشرة لتحقيق المعاني لديه.