التعليم والحراك الاجتماعى في مصر (1952- 1970) رؤية تحليلية مع التركيز على انطلاقة المرأة.

نوع المستند : المقالة الأصلية

المستخلص

مستخلص البحث:
للتعليم في مصر قصة طويلة تعبر عن تطلع شعبها للارتقاء والتقدم؛ فنظام التعليم الوطني مهما مرت به من ظروف يمكن النظر إليه على أنه كائن حي وحصاد صعوبات كفاح منسي ومعارك ممتدة منذ زمان طويل؛ فرؤية أبناء مصر للتعليم كانت وماتزال تراه أنه مفيد بل وسيلة للحراك الاجتماعي وأيضًا أساسي بالنسبة لتحسين رؤية العالم لمصر. ولعل أفضل ما يمكن أن نبدأ به هنا هو تلك المرحلة التي شهدت فيها البلاد تغيرًا واضحًا للاهتمام به والتعامل معه وأيضًا علاقته وتأثيره في المجتمع بكل نظمه والإنسان أساسًا.
 وتبدأ مرحلة التحول هذه مع الاتجاة إلى نقل نظم التعليم الغربية الحديثة تلبية لطموحات حاكم قوي أراد منه أن يكون وسيلة لتحقيق رؤيته من أجل بناء جيش قوي يمكنه من التوسع والانطلاق خارج حدود مصـر؛ فهدف الحاكم واضح ومحدد من ذلك التعليم الذي يخضع لسيطرته وكما يمكن أن يساعده في مواجهة القوى الداخلية المناوئة له ألا وهم كبار المتعلمين والعلماء من شيوخ الأزهر الشريف والذين كانوا يمثلون الصفوة المتعلمة والقيادة الوطنية الواعية حينئذ والتي لم يستطع أن يقصيهم مثلما أمكنه إقصاء المماليك.
جاء محمد علي إلى مصر واليًا من قبل السلطان العثماني فتولى أمورها 1805-1849 ونتيجة لما رآه من تقدم عسكري تجلى في حملة نابليون بونابرت على مصر 1798 – 1801 مما أثر في توجهاته؛ حيث كان من نتائجها صدمة ثقافية إيجابية عند محمد علي والدوائر المعاونة له مما ترتب عليه التحول إلى النموذج الغربي للتعليم. فقد كان الأزهر بمثابة وزارة التعليم والثقافة في مصر حتى عام 1800 (Vatikiotis, 1969, 92).
ويعتبر محمد علي باشا والى مصر تاريخيًا أبو التعليم الحديث على النمط الأوروبي في مصر وربما كانت أهمية البداية بتجربة التعليم في عصره لما يراه البعض(Ibrahim, 2010) من أن النقل للتعليم عن الغرب والذي بدأ في عهده واجهته صعوبات فيما بعد وفي هذا تأكيد للرؤية التي يحمل مضمونها أن الاهتمام بالتعليم ومتطلباته وآثاره أيضًا إنما هي في حاجة إلى رجال دولة أقوياء فبدون التعليم الحديث الذي أدخله محمد علي ما كانت النهضة التعليمية التي تجددت فيما بعد 1952 وما بعدها قد بدأت . كان هدفه تكوين جيش قوي وقد تطلب هذا جنودا مختلفين عما كان من المألوف تواجدهم في مصر من المماليك ومن حولهم. ولتحقيق أهدافه كان الاتجاة إلى التعليم ولكن على النموذج الأوروبي الذي شد إهتمامه فبدأ بإرسال البعثات إلى الخارج 1809/1813 وأيضًا إنشاء المدارس العسكرية 1811 المختلفة التي اختار طلابها من أبناء غير المصريين المحيطين به ثم من أبناء المصريين. ومحمد على والحالة هذه حين تحوله الى نقل التعليم الحديث من الغرب ولأنه كان متعجلا للحصول علي نتائج سريعه لتحقيق أهدافه فقد بدأ من أعلى إلى أسفل؛ فقد بدأ بالتعليم العالى أى من أعلى السلم التعليمى وليس من بدايته مثله فى هذا مثل من يبدأ طريقه بالجرى قبل أن يتعلم المشى.وهذا يوضح أن هدفه من التعليم لم يكن القاعده العريضه من أبناء مصر ولكن تعليم من يعدهم لتحقيق أهدافه التوسعيه.
معنى ما سبق أن التعليم الحديث بنقله إلى مصر أحدث نقلة حضارية مطلوبة ولكنه حمل معه ملامح أخرى جعلت من قصة هذا التعليم الحديث وحتى الآن قصة صراع لم يهدأ في مصر يعبرعن تطلع شعبها للإرتقاء والتقدم. صراع سلمي أخلاقي إنساني من أجل التعليم والتنوير، صراع من أجل أن يحصل المصري على ما يصبو إليه من حقوق أساسها التعليم؛ فقد كان من وجهة نظره وحتى الآن سلاح يمكنه مع تغير الزمان من الحياة الكريمة له ولأبنائه .لقد فتح التعليم الحديث الأبواب أمام وجود مؤسسات تعليمية أتاحت لبعض المصريين الإرتقاء والتميز وتقلد الوظائف العليا مثل رفاعه رافع الطهطاوي (1801–1873) وعلي مبارك (1824-1893)، وغيرهما فكانوا مثالا يقتدى كما كانوا مرشدين لطريق التعليم والنهضة مخلصين.
ومن هنا كان لابد من معاودة النظر فيما هو موجود ومتاح أمام المصريين؛ حيث توفرت الكتاتيب بالإضافة إلى التعليم الديني في المساجد الكبرى والتي تتوج بتلقي العلم بالأزهر الشريف، كان تعليم ديني وكان أيضًا متاحا لمن يملك الوقت للتفرغ للحصول عليه دون مقابل مادي. وقد كان هذا هو السائد؛ فمؤسسات التعليم المرتبطه بتعليم الدين في مصر واستمر وربما لفترات طويلة حتى القرن العشرين حرصت على ان تكون متاحة أمام الجميع دون مقابل مادى. أما المدارس العليا التي أنشأها محمد علي فكانت مدارس ذات طبيعة مختلفه ولخدمة اهداف مختلفة أيضا فهى عسكرية أساس فى البدايه لتخريج الجنود وتطلب هذا التوسع في إنشاء مدارس عليا أخرى لها تخصصاتها التي تستكمل متطلبات الجيش مثل الزراعة والهندسة والطب من عام1822/ 1827 أما مدرسة الألسن فكانت 1837 وغيرها. وإذا كانت البداية بالمدارس العليا إلا أن هذا تطلب نوعية مختلفة من المتعلمين يمكنهم تلبية متطلبات إعداد متخصصين فى القتال وليس علوم الدين واللغة التى كانت هى العمود الفقرى للتعليم فى تلك الآونه إذ كان مستوى الطلاب الوافدين من المؤسسات الدينية القائمة غير ملائم لما يتعلمونه؛ فكان الإتجاه لإنشاء مدرستين ثانويتن لإمداد هذه المدارس العليا بالطلاب 1818 ثم كان التوجه لإنشاء المدارس الابتدائية 1836.
 هذا التحول عن نمط التعليم الديني في مصركان يحمل في طياته استبعاد فئة إجتماعية من المصريين هي التي قادت المجتمع لزمان طويل أي المشايخ الذين تعلموا في الأزهر والمساجد الكبرى وفي المقابل أتاح هذا الفرصة لأبناء المحيطين للحاكم أولاً وأبناء القادرين من المصريين ثم إمتدت الفرصة لغيرهم لأن يساهموا في التحول التعليمي الحادث في المجتمع المصري . ومع نجاح محمد علي في الاستفادة من جنوده الذين تعلموا على النمط الحديث ونجاحه في التوسع خارج حدود مصر إلا أن الدول الغربية الاستعمارية كانت له بالمرصاد فحاصروه وأعادوه إلى حدود مصر حاكمًا لها أما إبنه إبراهيم فكان له حكم الجزيره العربيه طوال حياته فقط فكانت معاهده لندن الأولى 1840 فالثانية 1842 . وهنا تراخت رغبته بالتوسع في التعليم مع تراجع المطلوب من الجيش وما إن جاء عام 1848 إلا وكانت في مصر مدرسة واحدة تم جمع من تبقى من الطلاب في المدارس المختلفة بها ألا وهي المدرسة المفروزة. فالهدف من نقل التعليم العسكري والمدني الغربي لم يكن خالصًا من اجل إحداث تقدم أو تغيير في المجتمع المصري بقدرما كان لخدمة أهداف الحاكم وطموحاته وحين حوصرت الأهداف والطموحات تراجع لداخل الحدود وتراجعت معه الأهداف التي كان يسعى إلى تحقيقها من خلال مؤسسات التعليم الحديث.
ومع كل هذا يمكن القول أن نقل نظام التعليم الغربي الحديث والذي كان متبعًا في الدول السابقة في مجال الصناعة والعلم وتطبيقاته والتي ارتكزت عليه الصناعات كثيفة الإنتاج بكل ما كان لهذا من آثار إقتصادية وأيضًا تعليمية وما ارتبط بهذا من توسع الدول الاستعمارية خارج حدودها بحثًا عن أسواق لتصريف صناعاتها ذات الإنتاج الكثيف بعد الثورة الصناعية الأولى ونهبًا للمادة الخام من الدول المستعمرة؛ فإن هذا كان له آثاره الايجابية على المجتمع المصري. كما يمكن القول أن جذور الآثار السلبية ما تزال لها وجود حتى الآن ومنها على سبيل المثال إزدواجية التعليم بين مدني حديث وآخر ديني تقليدي. أما أخطر ما يمكن التوقف أمامه هنا فهو ما ترتب عليه من بزوغ طبقية تعليمية واستمرارها في مصر وتتضح هذه الطبقية في (Ibrahim, 2010):

المدارس التي وجدت في المدن الكبرى والمدارس العليا وكان طلابها هم من يمكن تسميتهم أبناء الطبقة الوسطى المصرية،
الكتاتيب في القرى للفقراء،
مدارس للارساليات الغربية التي ضمت مع أبناء الأجانب أبناء الصفوة من المصريين وكانت موزعة في أماكن متعدده بمصر.