البحث العلمى والسبيل إليه من وحى كتاب شخصية مصر: دراسة في عبقرية المكان للدكتور جمال حمدان.

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

جامعة

المستخلص

حقًا وجدتها "كلمات ليست كالكلمات"، سبقني إليها واستخدمها بدقة الدكتور جمال حمدان؛ حين أراد أن يأخذ بيد الباحث ويرشده ويشجعه على البدء في محاولة البحث الجاد في الجغرافيا، وهذه الكلمات عشت معها وتأملتها مليًا ولم أجد ما أعبر به عن إعجابي بها سوى ذلك الوصف الرائع للكلمات المتميزة والمعبرة عن المراد لنزار قباني من أنها "كلمات ليست كالكلمات"، وجاءت في ديوانه "حبيبتي" الصادر عام ١٩٦١م.
وقد اقتبست كلمات الشاعرالفذ لأني وجدتها تحمل شحنة من الإعجاب المشوب بالاحترام لما قرأته لدى هذا المفكر العظيم الذي أبدع فيما قدمه لنا في سفره العلمي الرائع "شخصية مصر، دراسة في عبقرية المكان" والذي أخرجه أولًا في كتاب صدر عن دار الهلال في منتصف الستينيات تقريبًا فى السنه التى اجتاحت مصر فيها نكسة يونيو ١٩٦٧م؛ كمحاوله للتشجيع على ضرورة الاستمرار، فالهزيمة في معركة لا تعني الانكسار بقيه العمر، ولكن لا بد من رأب الصدع، وعلاج الجُرح، والمحاولة مرة أخرى، وكان نصر أكتوبر ۱۹۷۳م، وأصبح الكتاب الصغير موسوعة من أربعة أجزاء صدرت عن عالم الكتب، القاهرة، والطبعة التي تم الرجوع إليها هي طبعة عام ١٩٨٠م.
ولمن يرغب فى مغامرة البحث العلمى بأى حقل من حقوله التخصصية أتوقف لأهدى إليه حصاد تجربتى و ما انتهيت إليه حين قراءة كلمات الدكتور جمال حمدان هذه وتأملها ومن ثم أقول إن الطريق التى ترغب السير فيها؛ طريق البحث العلمى فى أى حقل من حقوله المختلفة، طريق طويلة، وقد آن لى أن أذكرك بما قاله العالم الجليل جمال حمدان ذلك العالم المتمكن و الباحث فى تخصصه الذى لا يشق له غبار اذ يقول فى رحلة البحث العلمى وعنه: "إنها يقينا رحلة شاقه إلا أنها شيقه، وعرة غير أنها إلى أقصى حد واعدة، مجهدة ولكنها بالقدر نفسه – وفيما نرجو- مجزيه."
 واذا كان الدكتور جمال حمدان قد وصف الرحلة التى يجتازها الباحث والأيام والسنوات التى يقضيها فى صحبة بحثه من أجل الحصول على الدرجة العلمية فانه قد قدم فى كتابه المشار إليه سابقا كلمات يمكن أن تعتبرها علامات هادية على طريق البحث ومصابيح هادية للباحث نفسه. وقد وقع الاختيار على هذة الكلمات وتم اقتباسهامن مقدمة فصوله الأولى لموسوعته: شخصية مصر: دراسة فى عبقرية المكان حيث أوجز فى كلمات قليلة ومحددة المعنى والدلالة ليكون مرشدا لأى باحث فى العلوم الإنسانية وخاصة فى علوم التربية والتعليم، كما أري، رغم أنه لم يكتبها أصلا لهم بل للباحثين عموما وأيضا ليس للباحثين فى الجغرافيا وعنها تحديدا مما يؤكد وحدة المعرفة. وأحاول معك أيها القارئ العزيز مرة أخرى هنا قراءتها وتحليلها وتفسيرها للافادة منهافى مجالات البحث الإنسانية المختلفة. أقول ربما تتأملها معى وتضيف إليها أروع مما انتهيت إليه هناإذ أومن يقينا أن: "رُبً حامل علم لمن هو أعلم منه" كما جاء فى الأثر.
حقًا الكتاب الموسوعة يرتبط بمصر الموقع، والموضع؛ بكل ما يحيط بهما كتبها العالم العظيم عن جغرافية المكان، وكيفية التعامل معها؛ بحثًا فيها وقراءة لها، من أجل تحقيق الهدف ألا وهو التأكيد والإثبات لعبقرية مكان مصروأجدني أحاول استثمار حصاد تأملاتي لهذا في مجال البحث العلمى على إطلاقه والعلوم الإنسانية والتى منها البحث فى التربية والتعليم على الخصوص.
ولكن قبل أن أعود معك أيها القارئ إلى موسوعة جمال حمدان الفريدة أحاول في هذا الموضع لفت الأنظار إلى أن البحث العلمى هو أحد وظائف الجامعة الأساسية والتى هى مؤسسة أكاديمية ويدور فيها تعليم وإعداد الباحثين فى حقول المعرفة المتعددة والمتنوعة . ويخضع البحث العلمى بالتأكيد لقواعد أساسية رصينة تتمثل فى الدقة والأمانة العلمية والنزاهة في الهدف، والمسئولية في الأداء، وغير هذا مما لا خلاف عليه حين الحديث عن البحث العلمي في الجامعة ومراكز البحوث الذي يوصف بحق أنه بحث علمي، والذى يتميز: "بالمنهجية الصارمة"، التي باتت تختلف الآن في جوانب كثيرة عما كان سائدًا فيما قبل الحداثة.