فعالية برنامج إرشادي للأطفال المعرضين لخطر العنف الأسري في المجتمع السعودي في خفض الاضطرابات الانفعالية والسلوکية لديهم

نوع المستند : المقالة الأصلية

المستخلص

عرف المجتمع الإنساني العنف الأسري منذ قديم الزمن، وعلى وجه التحديد منذ أن حدثت أول جريمة قتل على ظهر کوکبنا، حيث قتل قابيل أخاه هابيل، ولقد أفادت کتابات عدة أن أغلب المجتمعات عرفت إساءة معاملة الأطفال، وتعرض بعضهم للقسوة الشديدة بما فيها إنکار الأطفال الرضع، وترکهم حتى الموت. ولقد شهدت الجزيرة العربية قبل الإسلام مظهراً بشعاً من مظاهر العنف الأسري والإساءة إلى الطفل، تمثل في هجر الزوجة التي تلد إناث وعدم الاعتراف بحقوقها، فضلاً عن ظاهرة وأد الإناث وتمييز الذکور عن الإناث الذي کان منتشراً في ذلک الوقت.
لما کانت الأسرة هي الوحدة الاجتماعية الأولى من حيث تکوينها ووظائفها وعلاقة أفرادها بعضهم ببعض وهي في نفس الوقت المؤسسة الاجتماعية الأولى التي ينمو فيها الأطفال، ويکتسبون من خلالها معايير الخطأ والصواب،کما أنها تعد من أهم العوامل المکونة لشخصيتهم، حيث يفترض أنها تزود أطفالها بکثير من الاحتياجات الأساسية والتي من بينها الحب والمودة والعطاء والاستقرار النفسي وتوفير مشاعر الأمن، وعوامل النمو الانفعالي السوي، فقد أصبحت نصب عين مجموعة کبيرة من التحديات الداخلية والخارجية سعياً لتفکيکها وهدم المجتمع من خلالها. (حياة عبد العزيز، 2011: 29)
ورغم النصوص الشرعية والقانونية واتفاقيات حقوق الطفل التي تعمل على حماية الطفل وتقنن طريقة التعامل معه في الأسرة. إلا أنه يلاحظ أن هذا العصر على وجه الخصوص حافل بالأمثلة والبراهين على ما أصاب العلاقات بين الآباء والأبناء من اختلالات أطاحت بالکثير من توازنها فهو "العصر الذي انفجرت فيه موجات عدوان مکبوتة من الأمهات ضد الأبناء ومن الآباء ضد الأبناء حتى صار معتاداً ما يقرأ في الصحف عن بيع أب لأبنائه أو قتل أم لأطفالها.
ويمثل جانب العلاقات الإنسانية داخل الأسرة أحد تلک الجوانب التي تعرضت لمحاولات من التغيير والتشويه والقطيعة ثم العنف، فأصبحت الأسرة محضناً لأشکال عديدة من العنف بسبب توتر العلاقات الإنسانية بين أفرادها، أو لأسباب أخرى مجتمعية، فنتيجة للتغيرات المرتبطة بطبيعة الحياة المعاصرة والانفتاح غير الواعي على سلوکيات العالم المتحضر والمتقدم مادياً وتقليد ما تنبذه تلک المجتمعات من سلوک أطاح بقيمها وبدأت تحاربه وتتصدى له، نلاحظ نشأة صورة جديدة ومتغيرة من الظواهر والمشکلات التي تواجه حياة الأسرة، ومنها ظاهرة العنف الأسري التي يکاد لا يخلو منها مجتمع سواء وصف بالتقدم أم الرجعية، وهي ظاهرة ما تزال تتفاقم وتنمو بشکل مضطرد حتى بدت السيطرة عليها أمراً مستحيلاً وذلک بسبب خصوصية المشکلة. (حياة عبد العزيز، 2011: 30)
وأشار يوسف الرميح (2013: 13) إلى أن خطورة العنف الأسري تکمن في نقطتين مهمتين الأولى: هي أن العنف يحدث بشکل خفي وراء الأبواب المغلقة للمنازل، والثانية تتمثل في عدم توافر بيانات حقيقية عن هذه الظاهرة المعلنة الخفية في المجتمعات. کما أشار أن ممارسة العنف على الأطفال تجعل من راشد الغد لا يستجيب للمتغيرات البيئية إلا في إطار من العدوانية والعنف بدايةً من سلوکه وهو طفل صغير وکذلک وهو داخل الفصل الدراسي، وحتى يصير زوجاً وأباً في المستقبل- کما أن ممًارسة العنف على الأطفال ينعکس انعکاساً خطيراً على المجتمع الأکبر نظراً لما ينجم عن العنف من حالات التشرد وانحراف من ناحية، وحالات مرض نفسي وعقلي من ناحية أخرى وفي أحسن الحالات التي ينجو فيها الطفل من هذين المظهرين فإنه يصبح نموذجاً رديئاً للتنشئة الاجتماعية في المستقبل ويبقى المجتمع الخاسر الأکبر في تلک العملية.
ووفقا للدراسة التي قامت بها منظمة الأمم المتحدة لرعاية الطفولة والأمومة "اليونسيف" (2006) يتضح مدى خطورة العنف على مخ الطفل في مراحل النمو، ففي فترة الستة شهور الأولى يتشکل 50% فقط من جهاز المخ، ثم يستمر بالنمو حتى سن العاشرة. وبالنظر المتفحص في التحليلات الطبية تتضح لنا مدى عواقب ممارسة العنف في هذه الفترة الحرجة والخطيرة من عمر الطفل والمعروفة بفترة التکوين والنمو فإذا تعرض الطفل لأي نوع من أنواع العنف ينطبع أثر ذلک على فکرة ومخيلته وکيانه الذهني والنفسي وتتشکل شخصيته حسب ما اختزنته الذاکرة بصورة لا إرادية في العقل الباطن.
وقد أقرت منظمة الصحة العالمية أن ما يتراوح بين 80- 98% من الأطفال يتعرضون للعنف المنزلي وحوالي 53000 طفل قد توفي في عام 2002 نتيجة للقتل. وأن 2000-5000 طفل يقتلون سنوياً من قبل آبائهم.
وبالرغم من أننا في مجتمعاتنا العربية مازلنا نعتبر أن مثل هذه الأشکال من العنف العائلي والتعسف في استخدام حق التأديب المقرر في الشريعة الإسلامية أو القانون الوضعي أو اتفاقية حقوق الطفل مازالت قليلة نسبياً وذلک بالقياس إلى مدى تفشيها في المجتمعات الغربية إلا أن الأمانة تقتضينا أن نعترف بأنها أصبحت في تزايد مستمر بحيث إن التهوين من شأنها أو التقليل من خطر تفشيها أو تفاقمها في مجتمعاتنا بحيث يمکن أن تصل إلى حد (الوبائية) أو يمکن أن تتخطى مستوى (الضغوط) بدرجتها المختلفة إلى مستوى تفجر (الأزمة) بکل ما تنطوي عليه الأزمات من حدة وعنف يصعب إدراکها أو السيطرة عليها (سهير العطار، 2000:29).
کما أن المشکلة ليست في وجود العنف في حد ذاته، فهو موجود بوجود الموجود أي الإنسان وإنما المشکلة أصبحت في اتساع مساحة ممارسة العنف وازدياد الجريمة. والسياق الأسري يمارس أول وأعمق تأثير على تکوين شخصية الطفل مما ينعکس بآثار غائرة عليه في سنواته اللاحقة أما أن يکون الطفل سوي أو جانح. واستخدام العنف الوالدي تجاه الطفل في الأسرة مشکلة خطيرة تهدد کيان واستقرار وتماسک الأسرة وتلقى بظلالها الکئيبة الداکنة على المجتمع بأسرة مما يجعلنا بحاجة ماسة لفهم هذه الظاهرة والوقوف على أسبابها.
مشکلة البحث:
الأسرة هي الجماعة التربوية الأساسية في أي مجتمع إنساني مهما کان ظروفه أو مستوى معيشته،،کما أشارت کثير من الدراسات والبحوث العلمية (نظرية وتطبيقية) أن الطفل الذي يعاني من خبرات حياتية مضطربة وغير مشبعة لاحتياجاته الأساسية البيولوجية أو النفسية الاجتماعية المکتسبة يغلب عليه أن يتصف بضعف بنائه النفسي والاجتماعي مستقبلاً.
کما أن للطفل حقوقاً أساسية ينبغي الوفاء بها مثل حق الغذاء وحق اللعب وحق الآمان من أشکال العدوان البدني والجنسي المختلفة، وکذلک حقه في الأمن النفسي بألا يقع فريسة لأي شکل من أشکال الإساءة النفسية من رفض أو إهمال أو تهديد بسحب الحب أو التخلص منه أو معايرته، إضافة لحقه في أن يقدره الآخرون ويحترمونه ويشعرونه بأنه محبوب،وأن عدم تلبية أي من هذه الحقوق الأساسية للطفل – التي نصت عليها المواثيق العالمية لحماية الطفل – إنما تمثل إساءة للطفل وتنبئ باضطراب محتمل في صحته البدنية والنفسية مستقبلاً.