آليات مقترحة للإصلاح المتمرکز حول المدرسة بالمنطقة العربية في ضوء خبرات بعض الدول الأجنبية دراسة مقارنة

نوع المستند : المقالة الأصلية

المستخلص

توافر نظم مؤسسية مرنة تستجيب إلى هذه التطورات بسرعة وفعالية، کما أصبح الإصلاح حاجة ضرورية لکافة المؤسسات، وهذا لا يعنى أن الحالة التى تستدعيه تعانى من الخلل أو تتعرض له فحسب، بل يحمل في طياته التطوير والإبداع مع الاستفادة من التجارب السابقة.
ومن ثم أصبح على القيادات السياسية والتربوية على السواء أن تعمل على رصد الموازنات وحشد المصادر البشرية وغير البشرية لإحداث تحول في النموذج التربوي: من نموذج المجتمع المدرسي المغلق المعتمد على الکتب الدراسية والمعلم بوصفها مصادر وحيدة للمعرفة، إلى نموذج متعدد المصادر ومجتمع مدرسي مفتوح يشبه بيئات العمل. (الصالح،2007)
ومن هنا تتضح أهمية الحاجة إلى إصلاحات مرتبطة باللامرکزية ومستندة على مفهوم تحسين المدارس، ويعد الإصلاح المتمرکز حول المدرسة من الاتجاهات الحديثة في هذا المجال، والذي يضع رؤية جديدة للإصلاح المؤسسي في التعليم وتحسين مستوى جودة أداء المؤسسة التربوية والتعليمية بصفة خاصة وجودة المنتج التعليمي بصفة عامة، وذلک بتفويض مزيد من السلطات للإدارة المدرسية والمجالس المدرسية المنتخبة التى تتمثل في أولياء الأمور والمجتمع المحلي، مما يؤثر حتميا بشکل إيجابي على نوعية التعليم. (الخولاني، 2012). فالإصلاح المتمرکز حول المدرسة هو "عملية تتضمن مجموعة من الأنشطة والآليات المخططة والمنظمة التى ينفذها کافة العاملين بالمدرسة؛ لتحسين العمليات التنظيمية والتعليمية لحل مشکلات المدرسة، ولتفعيل دور العاملين فيها من أجل أداء أفضل".(الصغير، 2009، 275)
ويمکن التمييز بين مستويين رئيسين للإصلاح المتمرکز حول المدرسة ((CCSRI, 2006 وهما الأول: تغيير أو إصلاح تدريجي ( Reform Incremental)، وصغير على نحو مستمر؛ حيث يصبح الهدف إحداث تغيير محدود وتحسينات مستمرة بمرور الوقت، مثل: تغييرات جزئية في المناهج أو التدريس أو التطوير المهني. والثاني؛ تغيير أو إصلاح مدرسي ضخم وشامل (Comprehensive Reform): يتطلب هذا المستوى الشامل من الإصلاح إعادة النظر في جميع مکونات وعمليات المدرسة: مناهجها وتدريسها وإدارتها. وفي الوقت الذي تختلف فيه وجهات النظر حول أحقية أحد هذين المستويين، يزداد التوجه عموماً نحو الإصلاح الشامل في الوقت الراهن (CCSRI, 2006؛ الصالح، 2007). کما أن العديد من الإصلاحات المتمرکزة حول المدرسة تنبع من فکرة أن المدارس تستطيع أن تلبي احتياجات الطلبة والمجتمعات من خلال تولى أصحاب المصلحة المسؤولية المباشرة. وأن أهداف لامرکزية التعليم عادة ما تعمل على تطوير جودة التعليم، وتوثيق العلاقات، وتوسيع الاتصالات، وزيادة الکفاءة.
 (Umansky & Vegas, 2007)
ومن الجدير بالذکر أن هناک جهودا واضحة واهتمامات بالإصلاح المتمرکز حول المدرسة على مستوى الخطاب الدولي في تقارير ومشروعات المنظمات المعنية بالتعليم والثقافة، أو على مستوى الممارسات الإصلاحية الحکومية وغير الحکومية في بعض الدول، فقد تعالت الصيحات السياسية الناقدة للأداء التعليمي للمدرسة، والتي تنطلق في السياق الغربي من الحرص على الاحتفاظ بمواقع متقدمة في ميدان المنافسة الدولية، ومن شعور بالخطر الداهم من قصور هذا الأداء عن الوفاء بمتطلبات التفوق على المشروع الأسيوي الواعد. (مدبولى،2014)
کما أثرت الاختناقات الاقتصادية في أوروبا على ميزانية التعليم، خاصة تلک المرصودة لبرامج دعم التنمية المهنية للعاملين بالمدارس على المستويات المرکزية، فانتقلت مسئولية تحسين الأداء المهني من السلطات المحلية والقطاعية إلى المدارس، وأصبحت جهود تفعيل وتطوير المناهج وطرائق التدريس، وأساليب التقويم، بل وأنماط الإدارة والتخطيط ورسم السياسات کلها متمرکزة حول المدرسة، وأصبحت ممولة ومخططة بشکل ذاتي ومستقل. (مدبولى، 2014)
وتختلف مسميات مدخل الإصلاح المتمرکز حول المدرسة من دولة إلى أخرى، فيطلق عليه في الولايات المتحدة الأمريکية اسم School Based Reform, بينما يتساوى هذا المفهوم بمعناه السابق مع مفهوم الإدارة المتمرکزة على المدرسة School –Based Management في إنجلترا، والتى تطلق عليه أحيانا ثانية Local Management، بينما يعرف في أستراليا باسم School Based Management and Devolution ، ومهما اختلفت المسميات لهذا المدخل، إلا أن هذا المعنى يرتبط ارتباطا وثيقا بما يعرف باستقلالية المدرسة سواء کانت هذه الاستقلالية، إدارية أم مالية أم مهنية أم جميعها في آن واحد. (خاطر وضحاوى وأحمد، 2012، 191). أما في المجتمعات النامية، ومنها مجتمعاتنا العربية، فقد ناءت المدارس بحملها من الکثافات المتجاوزة لحدود الممکن والمعقول، وتعددت الفترات المدرسية تحت ضغط الطلب الاجتماعي المتزايد على التعليم، وقلة وتهالک المباني والتجهيزات، الأمر الذي انعکس سلباً على نوعية الناتج التعليمي من المهارات والمعارف، وأدى إلى تقديم وجبات تعليمية قاصرة ورخيصة للتلاميذ. (مدبولى، 2014، 1-2).