مسؤولية المدرسة في تنمية الوعي بحقوق الإنسان في ضوء التربية الإسلامية

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

باحث

المستخلص

يحتل موضوع حقوق الإنسان في عصرنا الحاضر مکان الصدارة حيث أصبحت الأمم المتقدمة لا يقاس تقدمها بنسبة المتعلمين فيها، أو مستوى الدخل للفرد، ومقدار ما يتوافر فيها من مصانع ومعامل، ومستوى الخدمات المقدم من ناحية الخدمات الصحية، والسکن، ووسائل الاتصالات، والتنقل وغيرها وإنما الاهتمام بجوانب أخرى غير مادية، کتوافر الأنظمة العادلة، وحقوق التقاضي، بالإضافة إلى مقدار ما توفره الدول لأفرادها من حرية التعبير عن أفکارهم وآرائهم وبمقدار ما يتوافر للمواطن من حقوق للإنسان تربوية أم قضائية أم فکرية أم اجتماعية.
ومن جانب آخر يتجه العالم نحو ترسيخ قيم مفاهيم حقوق الإنسان وتطبيقها وتضمينها في الأنظمة والقوانين عامة والتربوية خاصة، ويقتضي الحال تناول هذا الموضوع في المؤسسات التربوية لما يمثله هذا الأمر من أهمية بالغة على اعتبار أن تلاميذ اليوم هم قادة ميدانيون مؤثرون في التنمية الاجتماعية، والسياسية، والاقتصادية، والتربوية مستقبلاً مما يتطلب ضرورة توعيتهم وتبصيرهم بمضامين حقوق الإنسان وترسيخها فيهم سلوکاً وعملاً قبل أن يعرفوها مبادئ وأنظمة نظرية، قابلة للتطوير والتحسين.
وإذا ما کانت الدول تتنافس اليوم في إعطاء صورة ناصعة البياض وإظهار ممارساتها لصيانة حقوق الإنسان فإن المؤسسات التربوية ورکيزتها الأسرة، والمدرسة، بالإضافة إلى المسجد، والإعلام هي الأکثر جدارة للسعي نحو ترسيخ تلک القيم ولها سلطتها بحکم مدى انتشار تأثيرها وتعدد وسائطها وأساليبها.
وحيث إن الفرد يبدأ في اکتساب القيم والحقوق عبر التوجهات، المباشرة أو غير المباشرة، التي تحکم وجوده داخل الأسرة، والتي تنظم علاقاته وتفاعلاته مع أفراد العائلة وتقاليدها وأعرافها بحکم أهمية السنوات الأولى في تکوين شخصيته، فإن ما يکتسبه في مؤسسة الأسرة سيمتد أثره، إيجابا أو سلبا، على تفکيره وسلوکه في ما بعد طفولته الأولى، مما يجعل من التربية داخل الأسرة أحد الأسس التربوية الهامة فإن التربية على حقوق الإنسان إذا لم تجد ما يرسخها وينسجم معها، منذ الطفولة الأولى في الأسرة، فإن ذلک سيکون عائقا أمامها في المراحل اللاحقة، وفي المؤسسات الأخرى خارج مجال الأسرة.
ومن جهة أخرى يأتي دور باقي المؤسسات الأخرى کالمدرسة حيث لا يخفى ما تقوم به من دور في صقل الإنسان وإکسابه القيم والاتجاهات الحقوقية سواء من خلال التعليم النظري أم الممارسة السلوکية. ويرى عواد وآخرون: أن العديد من الدراسات والبحوث أشارت إلى أن التعليم يعدّ مصدرا أساسيا وأداة فعالة لنشر مفاهيم حقوق الإنسان بين الأجيال، وتشربهم بمضامينها، وضمان ممارستهم اليومية لها إذ إن المناهج الدراسية بمختلف موضوعاتها والأنشطة المصاحبة لها، وما يمثله المعلم من قدوة، تعدٌ أهم العوامل التربوية لتحقيق الأهداف المنشودة في هذا المجال. (عواد، وآخرون، 1428هـ، ص18).
وبناء عليه ينبغي أن توکل مهمة نشر الوعي بقيم حقوق الإنسان لتلک المؤسسات لارتباطها بحياة الإنسان.ويؤکد ذلک آل فهيد: "باعتبار أن الوعي بحقوق الإنسان عملية طويلة المدى ومستمرة مدى الحياة يتعلم فيها جميع الأشخاص من جميع مستويات النمو ومن جميع الطبقات احترام کرامة الآخرين وسبل ووسائل کفالة ذلک الاحترام في جميع المجتمعات وتهدف التربية في مجال حقوق الإنسان أساساً إلى تنمية قيم التسامح والتضامن والتعاون بين المجتمعات، کما يشير إلى وجوب تغيير نمط التربية والتعليم التقليدي وإنما ينطلق من رؤية نابعة من قيم حقوق الإنسان حيث يقول: فإنه من الجوهري في هذا الصدد استحداث رؤية جديدة للتعليم تنطلق من توسيع التعريف التقليدي للتعليم لکي يعالج تحديات جديدة مثل ارتباطه بالاحتياجات، والقيم العالمية لحقوق الإنسان واتخاذ القرارات على أساس من المعرفة، وهذا يعني أن التربية على حقوق الإنسان لا تتعلق بتوفير المعارف والمهارات فحسب، وإنما تتعلق أيضاً بتعزيز الاتجاهات والمواقف والسلوکيات التي تسمح للناس بالمشارکة في حياة مجتمعاتهم المحلية والوطنية بطريقة بناءة يحترمون بها أنفسهم والآخرين، وينبغي للأجيال أن يتعلموا حقوق الإنسان من خلال المعايير والمبادئ الأساسية لها وهي تنفذ في الواقع العملي، وفي قاعة الدرس، وفي المنزل، وباقي مؤسسات التنشئة الاجتماعية. (آل فهيد، 1429هـ، العدد 171).