الدلالات التربوية لاستراتيجية الصمت في مواجهة الملمات المعاصرة

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

بخيت

المستخلص

إن ما يحصل في عالمنا الحاضر من إثارة الفتن وإشاعة الأکاذيب في واقعنا المعاصر, والأحداث التي تمر من حولنا والمناسبات التي تطرأ علينا ,تحتاج منا إلى وقفة تأمل وصمت طويل فهي رسالة إنصات للوجود، وهو شعور فريد، لا يتقنه الکثيرون.والإنسان محاسب على کل کلمة يقولها لقوله تعالى:﴿مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾(ق:18). وقال الشنقيطي: "قوله تعالى في هذه الآية الکريمة: ﴿مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ﴾ أي: ما ينطق بنطق ولا يتکلم بکلام ﴿إِلَّا لَدَيْهِ﴾، أي: إلا والحال أن عنده رقيبًا، أي ملکًا مراقبًا لأعماله، حافظًا لها شاهدًا عليها لا يفوته منها شيء. ﴿عَتِيدٌ﴾: أي حاضر ليس بغائب يکتب عليه ما يقول من خير وشر"[1].
والأنبياء على عظمتهم جاؤوا بالکلمة فقط. ومن ذلک يظهر أن الصمت في معظم الأحيان يکون خيرا من الکلام، فعن أبي هريرة رضي اللّه عنه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (من کان يؤمن بالله واليوم الأخر فليقل خيرًا أو ليصمت)[2] وفي هذا الحديث آداب وسنن، منها التأکيد في لزوم الصمت، وقول الخير أفضل من الصمت؛ لأن قول الخير غنيمة، والسکوت سلامة، والسلامة أفضل من الغنيمة"[3] وهذا يدل على أنها من أخلاق وصفات المؤمنين وعلامة الإيمان بالله تعالى واليوم الآخر.
قال الغزالي: "من تأمل جميع آفات اللسان علم أنه إذا أطلق لسانه لم يسلم، وعند ذلک يعرف سر قوله - صلى الله عليه وسلم -: «من صمت نجا»، لأن هذه الآفات کلها مهالک ومعاطب، وهي على طريق المتکلم، فإن سکت سلم من الکل، وإن نطق وتکلم خاطر بنفسه، إلا أن يوافقه لسان فصيح، وعلم غزير، وورع حافظ، ومراقبة لازمة، ويقلل من الکلام؛ فعساه يسلم عند ذلک، وهو مع جميع ذلک لا ينفک عن الخطر، فإن کنت لا تقدر على أن تکون ممن تکلم فغنم، فکن ممن سکت فسلم، فالسلامة إحدى الغنيمتين"[4].
وبذلک يعد الصمت من المفاهيم الأکثر تجريدًا واستعصاءً على المقاربة، فمن حيث إنه تجريد لأنه يبحث في مظاهر الکون لمحاولة إدراک المتواري منها، حتى قيل “أول العلم الصمت "أما استعصاؤه، فناجم عن کونه مجال مساءلة کثير من العلوم الإنسانية الباحثة عن حقائق فلسفية، أو دينية، أو نفسية، أو أدبية، وعن تعدد دلالاته إضافة إلى تداخل مفاهيمه.[5]
کونها تناقش قضية ملحة في عصرنا الحالي الذي أخبر عنه الرسول صلى الله عليه وسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-:(سيأتي على الناس سنوات خداعات، يُصَدق فيها الکاذب ويُکذَّب فيها الصادق، ويُؤتمن فيها الخائن ويُخوَّن فيها الأمين، وينطق فيها الرويبضة)، قيل وما الرويبضة يا رسول الله؟.. قال: (الرجل التافه يتکلم في أمر العامة)[6]
ومن المعلوم أن العصر الحالي يعتبر من أکثر العصور التي بدأت فيها صناعة الکلمة من خلال قوتها وعرضها وتروجيها فاختلط فيها الحابل بالنابل، والصمت وإن کان مذموما في بعض الأمور، والتصور السلبي لمفهوم الصمت باعتباره مذموما، وبأنه نوع من أنواع الضعف والخوف من الشخص الصامت، إلا أن ما نعانيه في عصرنا، وما نکابده اليوم من فتنٍ وخلافات، وتراشق بالکلمات واللکمات، أصبح الصمت في عالمنا المعاصر من الأخلاق الکريمة وله مکانةً کبيرة في النفوس وهو خلق کريم إذا وضع في محله، وعليه انطلقت فکرة البحث بعنوان "الدلالات التربوية لاستراتيجية الصمت في مواجهة الملمات المعاصرة"



[1] الشنقيطي، محمد أمين، 1415هـ، أضواء البيان، دار الفکر، بيروت، ج7،ص427


[2] البخاري، أبو عبدالله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم، 1401هـ، صحيح البخاري، دار الفکر، لبنان، رقم 6475


[3]القرطبي لابن عبد البر، أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد، 1387 هـ، التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد، تحقيق:مصطفى بن أحمد العلوي, محمد عبد الکبير البکري، الناشر:وزارة عموم الأوقاف والشؤون الإسلامية - المغرب ج21ص 35.


[4] الغزالي، أبو حامد محمد، 1388هـ، إحياء علوم الدين، دار المعرفة، بيروت، ج3، ص162.


[5] الدهري، أمينة، 2014، کتابة الصمت، مجلة البلاغة والنقد الأدبي، المغرب، ع1، ص11.


[6] ابن ماجه، ابي عبدالله محمد القزويني، د. ت، سنن ابن ماجه، تحقيق محمد فؤاد، دار الکتب العلمية، بيروت، لبنان، ج2.