تصور مقترح لزيادة وعي طلاب الجامعات السعودية لمبدأ التعايش السلمي مع الآخر

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

نياز

المستخلص

الحمد لله، الذي جعلنا شعوباً وقبائل لنتعارف ونتعايش، والصلاة والسلام على نبيه الأمين المرسل رحمة للعالمين، وعلى من اتبعه بإحسان إلى يوم الدين... وبعد:
 فقد جاء الإسلام ليقيم أرکان المجتمع على الفضائل، وحُسن الخلق والصفات النبيلة، ويکفکف نزوات الإيذاء والظلم والتسلط والإساءة إلى الغير. فلقد بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم بهذا الدين القويم الذي أکمله، وهذه الشريعة السمحة التي أتمها ورضيها لعباده المؤمنين، وجعلهم أمة وسطاً، فکانت الوسطية لهذه الأمة خصيصة من بين سائر الأمم ميزها الله تعالى بها، فقال تعالى: ﴿وَکَذَٰلِکَ جَعَلْنَاکُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَکُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَکُونَ الرَّسُولُ عَلَيْکُمْ شَهِيدًا ﴾ (البقرة: 143). فهي أمة العدل والاعتدال التي تشهد في الدنيا والآخرة على کل انحراف يميناً أو شمالاً عن خط الوسط المستقيم، وقد کان من مقتضيات هذه الوسطية التي رضيها الله تعالى لهذه الأمة؛ اتصافها بکل صفات الخير والنبل والعطاء والرحمة للإنسانية جمعاء؛ فلقد جاء الإسلام بمبدأ التعايش السلمي مع کافة البشر، ووطد في نفوس أبنائه عدداً من المفاهيم والأسس من أجل ترسيخ هذا المبدأ العظيم؛ ليکون معها وحدة متينة من الأخلاق الراقية التي تسهم في وحدة الأمة ورفعتها والعيش بأمن وسلام ومحبة وتآلف.
وهناک العديد من الآيات والشواهد على أن الإسلام هو دين التعايش السلمي بين الشعوب، مما يؤکد على أن القرآن الکريم أراد أن تسرى هذه الروح الطيبة لا بين المسلمين فقط، بل بينهم وبين العالم أجمع على اختلاف الأشکال والألوان واللغات والديانات، منها قول الله تعالى: ﴿يَنْهَاکُمُ اللَّـهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوکُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوکُم مِّن دِيَارِکُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّـهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ (الممتحنة: 8). ولم يکتف الإسلام في اهتمام القرآن بقضية التعايش إلى هذا الحد، بل جاءت السنة النبوية أيضاً تقاسم هذا الاهتمام ويعلن من خلالها رسول الله صلى الله عليه وسلم احترامه للآخرين وتقديره لهم وتسامحه معهم والدفاع عنهم، حتى وإن کانوا على غير دينه، ومن ذلک قوله صلى الله عليه وسلم: "لا فضل لعربي على أعجمي، ولا أعجمي على عربي ولا أحمر على أسود ولا أسود على أحمر إلا بالتقوى" (الألباني، 1425، رقم 1164).
والمتأمل مقاصد الإسلام وغاياته الحميدة في مسألة التعايش السلمي تجلى له بوضوح مدى کمال نظرته له، ومحاسن نظامه في التأسيس لمبدئه بين الأفراد والجماعات والأمم، کل ذلک على أساس التقرير لعموم رسالة الإسلام للعالمين، وشمولية أحکامه وأنظمته لجميع المجالات، ومناحي الحياة، فمن الأمور المعلومة من دين الإسلام بالضرورة عموم رسالة خاتم النبيين محمد - صلى الله عليه وسلم - الذي أرسله الله مبشرًا ونذيرًا وداعيًّا إلى الله بإذنه وسراجا منيرًا، وقد شملت بعثته أهل الکتاب: اليهود والنصارى، وغيرهم من أهل الملل، وسائر الأمم من العرب والعجم والناس أجمعين، بل کل الثقلين من الجنة والناس أجمعين. وهذا من الأمور الظاهرة في الشريعة الإسلامية، قد تواترت بها نصوص الکتاب والسنة، واتفقت عليها کلمة هذه الأمة (الخطيب، 2012، 235).
فالشريعة الإسلامية رحمة للعالمين، وأي طريق مخالف لها في التعايش مع الآخر هو إتباع لخطوات العدو الأول وهو الشيطان، الذي تعددت خططه ودروبه، واتبع منهجه العديد من أعداء الإسلام سعيا إلى هدف مشترک، هو وصف الإسلام بالطائفية والإرهاب والتطرف والحزبية الضيقة. واليوم تشهد الأمة الإسلامية - التي وصفها الله تعالى بأنها خير أمة في تاريخ الإنسانية - أحداثا ومشکلات متعددة، والتي يأتي بعضها من الداخل نتيجة غلو بعض المنحرفين من الفرق الدينية، ومن تطرف الجهلة من دعاة الحزبية والعنصرية، وبعضها يأتي من الخارج من قبل أعداء الإسلام ووصفه بأنه دين متطرف يدعو إلى التخلف، ويعجز عن مواکبة مقتضيات العصر ومتطلبات الزمان والبيئة، ويهدد الأمن والسلام، ويشجع على ممارسة العنف والإرهاب في العالم.
وقد تأثرت المملکة العربية السعودية بتلک الأحداث والمشکلات، مما أفرز ظواهر متعددة کظاهرة الإرهاب والعنف المجتمعي، التي أصبح التخريب وقتل الأبرياء أحد صورها، وظهرت بعض السلوکيات السلبية بين الشباب کالغلو والتطرف والعنصرية، فضلا عن ظهور خلل في بنية قيم التعايش السلمي مع الآخر لديهم، وأدى ذلک إلى ظهور عقبات أمام التنمية بمجالاتها المتعددة ومنها التنمية السياسية؛ لذا أصبحت الحاجة ملحة لنشر ثقافة التعايش والحوار في مواجهة التعصب والأفکار الضالة التي أخذت تدمر عقول کثير من شباب المسلمين، وتفعيل دور المؤسسات التربوية في زيادة وعي الشباب بمبدأ التعايش السلمي مع الآخر داخل المجتمع وخارجه، والعمل على تعزيزه في نفوسهم، وأخذ السبل الکفيلة بمواجهة هذه المشکلات. خاصة وأن التعايش السلمي مع الآخر سمة مميزة للإسلام، بل إنه أحد أهم المبادئ التربوية لهذا الدين العظيم، وصفة مميزة من صفاته التي تمنح الحرية للبشر وتحقق العدل بينهم دون تمييز جنسي ولا تفرقة عنصرية لقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاکُم مِّن ذَکَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاکُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَکْرَمَکُمْ عِندَ اللَّـهِ أَتْقَاکُمْ ۚ إِنَّ اللَّـهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ (الحجرات: 13)