برنامج مقترح في العلوم قائم على مدخل التعلم بالمشروع ونظرية الذکاءات المتعددة وأثره في تنمية بعض قدرات الذکاء العلمي والمهارات الحياتية لتلاميذ المرحلة الأساسية بالأردن

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

الحياصات

المستخلص

تعتبر مرحلة الطفولة المتوسطة, والتي تقع بين سن السادسة والحادية عشرة, من المراحل العمريّة المهمة في حياة الإنسان, وأهم الرکائز الأساسية في بناء شخصيته کونها تُشکل فترةً انتقاليةً للطفل بين مراحل الطفولة الأولى ومرحلة البلوغ والمراهقة, ففهم هذه المرحلة ومعرفة خصائصها النمائيّة له أهميّة کبيرة في تکوين شخصية الطفل، کما أن التنشئة الاجتماعية والأسرية السليمة، والسعي الدائم لفهم حاجات الطفل النفسية والاجتماعية والجسمية، وتقديم أساليب التربية السليمة تنتج فرداً ناجحاً متوافقاً مع ذاته ومع الآخرين من حوله, حيث يبدأ في هذه المرحلة بتشکيل مفرداته الخاصّة به، والاعتماد على شکلٍ مُعينٍ وأسلوب خاصٍّ في الکلام مع الآخرين، کما يبدأ الطفل في هذه المرحلة بتوسيع علاقاته الاجتماعية والتي تتمثل بتشکيل الصداقات مع أقرانه بعد أن کانت تتمحور في السابق حول الأم والأب والأخوة وبعض الأقارب , ويُصبح أکثر اعتماداً على نفسه في التصرف والتفکير دون توجيهٍ فوريٍّ ومباشرٍ من الأهل ,ويحاول السعي لتأکيد استقلاليته وتکيفه مع المجتمع معتمداً على المهارات التي اکتسبها من شتى الجوانب المعرفية والحرکية والفنية والتي غذي بها من الوالدين أو المدرسة, کما يستطيع أن يستخدم جميع وسائل التعبير التخيلي والتي قام بها في مرحلة ما قبل المدرسة مثل الأحلام والتخيل والرسم.
فقد أجمعت نتائج أکثر من مائتي دراسة حديثة في الولايات المتحدة الأمريکية على أثر الخبرات التي يتعرض لها التلاميذ في سنهم المبکرة، وأکدت على ضرورة تصميم برامج تربوية مبکرة تزود التلاميذ بالخبرات التي تتناسب مع قدراتهم وخصائصهم وحاجاتهم في الحياة. (قناوي وعبد الله، 1999؛ قنديل،2002؛ العراقي، 2004).
وتتضاعف هذه الأهمية في مجال المناهج وطرق تدريس العلوم لتلاميذ مرحلة التعليم الأساسي، حيث أن بحوث التربية العلمية التي أجريت على تلاميذ التعليم الأساسي تعاني من ضآلة وفقر، فقد حددت دراسة (مازن، 2012) نسبة بحوث التربية العلمية التي أجريت على التعليم الأساسي في مجال التربية العلمية وتدريس العلوم بلغت (2%) بينما بلغت هذه النسبة (98%) للفئات الأخرى.
لذلک أصبح من الأهمية لفت الانتباه لهذه الفئة العمرية، وتوجيه بحوث التربية العلمية للاهتمام بمرحلة التعليم الأساسي، وخاصة أن توصيات مؤتمر التربية العلمية(2012)، دعا لأهمية إعداد البرامج والأنشطة التعليمية والتعلمية في العلوم المبسطة والثقافة العلمية لهذه الفئة العمرية التي تعد الحاضر وکل المستقبل في أي أمة. (مازن، 2012).
هذه البرامج والأنشطة العلمية التي يجب أن تکون مشبعة بالخبرة الحسية والتفاعل مع البيئة الواقعية واکتساب المهارات الحياتية، وتدريب التلميذ على مهارات التفکير العلمي، وتعلم المفاهيم العلمية في هذه المرحلة. ومن هنا أخذت مبادرات المشاريع الصفية واللاصفية القائمة على التعلم بالمشروع Project Based Learning طريقها إلى الميدان التربوي والذي تتيح فيه لکل طالب بالفصل، ممارسة مهارات الإبداع في التعلم.(أمبو سعيدي والبلوشي، 2009). فتارة يلبس لباساً يحاکي فيه أحد الشخصيات التي ظهرت في قصة، وتارة يصمم نموذجا لأحد دروس العلوم بالصلصال وخامات البيئة، ويشکل الصور الذهنية للمفاهيم العلمية غير المحسوسة ويترجمها واقعا محسوسا.
ويعد أسلوب التعلم بالمشروع من الأساليب التربوية التي تنتمي للتربية التفاعلية، والتي يؤديها التلميذ بحماس بشکل فردي أو جماعي، لتحقيق أهداف تربوية محددة، ومن خلاله يکتسب العديد من المعلومات والمهارات والاتجاهات، وهو بذلک يحتفظ بکل ما تعلمه، ولا ينساه. (شحاتة، 1998). ويعتبر أسلوب المشروع مکملاً للبرنامج التعليمي؛ حيث يقوم فيه التلاميذ باللعب واستکشاف العالم من حولهم من خلال الخبرة المباشرة وغير المباشرة ووفق ذکاءاتهم المتعددة. (Katz,2010& Chard). ومما لا شک فيه أن تحقيق الأهداف التعليمية والتربوية للأنشطة والمشاريع القائمة على التعلم للتعليم الأساسي، يعتمد على المعلمين الذين يقومون بتنفيذ برامج هذه المرحلة، فهم المسئولين عن تنفيذ البرامج بما تتضمنها من خبرات وأنشطة وتدريبات وتقويم مستمر، لذا کان من الأهمية تدريبهم على أحدث توجهات النظم التربوية في مجال المناهج وطرق تدريس العلوم؛ والتي تتجه لها دول العالم في تطوير برامجها العلمية، والتي انبثقت من نظريات عديدة وجديدة وأبحاث مستفيضة في عمل الدماغ وتفسير الذکاء الإنساني. (أمين، 2006؛ أمبو سعيدي، 2009). ومن هذه النظريات الجديدة في تفسير الذکاء الإنساني نظرية الذکاءات المتعددة Multiple Intelligence Theory لعالم النفس الأمريکي "هاورد جاردنر"، وهذه النظرية تتعامل مع قاعدة وهي أن للفرد مجموعة من الذکاءات المرتبطة ارتباطاً وثيقاً بحواسه، وقد حددها جاردنر في سبعة ذکاءات وهي: الذکاء اللغوي، الذکاء المنطقي، الذکاء المکاني، الذکاء الجسمي الحرکي، الذکاء الموسيقي، الذکاء الاجتماعي، الذکاء الشخصي. ولکل نوع من هذه الذکاءات الأنشطة التعليمية التي تلائمه (Gardner, 2009؛ جابر، 2003). کما يضيف الباحث المعروف "توني بوزان" الذکاء الإبداعي للقائمة، وهناک باحثون آخرون أضافوا أنواعاً أخرى من الذکاءات حتى وصلت لتسعة عشر نوعاً. ومازال الميدان مفتوحاً في البحث في مجال الذکاءات المتعددة، لذلک بات من الضروري البحث عن بنى، وهياکل ووسائل تربوية جديدة لتطوير مهارات المعلمين التدريسية ومساعدتهم لتوظيف ذکاءات طلابهم العقلية والوجدانية والمهارية. (إبراهيم، 2006). وتأکيداً على الأهمية التربوية لنظرية الذکاءات المتعددة فإنه بات من الضروري أن يستخدمها معلمو العلوم بشکل عام ومعلمو التعليم الأساسي الذين يقدمون أنشطة وحدات العلوم للصغار بشکل خاص، حتى يکونوا على وعي بالمداخل والمسارات والطرق المتعددة التي يجب استخدامها لتحقيق أهداف أنشطة العلوم لدى تلاميذ هذه المرحلة، ويخططوا للمشاريع الصفية التي تنمي ذکاء کل طالب وتلبي احتياجه (خليل، 2006؛ (Martin,2011, 230. وتشير الأدبيات التربوية إلى أن نظرية الذکاءات المتعددة تقدم إطاراً للمعلم للتعرف على قدرة کل متعلم، وکيفية تعليمه وتعلمه، ومن ثم تحديد الأنشطة والخبرات التعليمية اللازمة له، مما يؤدي إلى استمتاع التلاميذ بالدراسة وزيادة دافعيتهم للإنجاز، وتنمية اتجاهاتهم الايجابية نحو التعلم. (البلوشي والمقبالي، 2010)، کما أوضح (Hoerr,2013) أن نظرية الذکاءات المتعددة أصبحت تمثل الإطار النظري والبناء الفلسفي للتربية وإعداد المناهج وطرق التدريس والتقييم، في العديد من المدارس على المستوى العالمي. وعلى الصعيد نفسه توصلت دراسة کل من Goodnough a ,2011; Goodnough b,2010)) إلى أن استخدام نظرية الذکاءات المتعددة يعد عاملاً حافزاً في تعلم الطلاب مادة العلوم، وتحقق مبدأ العلوم للجميع. فالعلوم من أکثر المواد ارتباطاً بتوجه نظرية الذکاءات المتعددة والتعلم بالمشاريع، حيث إن تدريس العلوم والتربية العلمية يهدف إلى تحقيق العديد من الأهداف النظرية والعملية، فقد أثبتت دراسة (الدسوقي وعبد الدايم، 2003) وجود علاقة ارتباطية بين التحصيل وأنواع الذکاءات المتعددة، وأن تخصص العلوم کان له علاقة قوية بجميع أنواع الذکاءات المتعددة.(حسين، 2008). کما توصلت دراسة( Helm Judy, 2010:) إلى أن التعلم القائم على المشاريع يجعل فرص التعلم مشترکة بين جميع التلاميذ، ويجعل من التعلم متعة، ويساعد التلاميذ على التفکير العلمي السليم. ومن هذا المنطلق کان لهذه الأهمية التربوية لنظرية الذکاءات المتعددة وأنشطة التعلم القائم على المشروع وحاجة معلم التعليم الأساسي إليها؛ والذي لمس الباحث من خلال - الدراسة الاستطلاعية- التي قام بها، منطلقا أساسيا في الشعور بمشکلة البحث والحاجة إليه، حيث توصل الباحث بعد دراسة الأدب التربوي والأبحاث المتخصصة وبعد الإطلاع على توصيات العديد من المؤتمرات في مجال التعليم الأساسي والتربية العلمية ومنها، وزيارة بعض مدارس  التعليم الأساسي، وإجراء حوارات مع بعض المعلمين والمعلمات والمشرفين في الميدان وبعض أمهات التلاميذ، والاطلاع على عدد من دفاتر تحضير دروس وحدات العلوم لعدد (20) من معلمي العلوم، إلى أن واقع التعليم الأساسي في المدارس يغلب عليه طابع التلقين والحفظ من جانب المعلمين للتلاميذ الصغار، وهذا الشيء يتنافى بلا شک مع الاتجاهات التربوية الحديثة في تعليم تلاميذ التعليم الأساسي، کما تبين غياب الأنشطة العلمية الهادفة التي تقدم للتلاميذ،والتي تکسبهم المبادئ العلمية السليمة لبنية العلوم الحياتية التطبيقية، وتدربهم على التفکير العلمي السليم الذي يقودهم إلى الذکاء العلمي، وکذلک قلة وعي کثير من المعلمين بمفهوم الأنشطة العلمية وفق التعلم القائم على المشروع ونظرية الذکاءات المتعددة، وعدم وجود خطة موضوعية علمية محددة واستراتيجيات تدريس واضحة لوحدات العلوم المقدمة لهؤلاء التلاميذ عمر (8- 9 سنوات).